حرب الارهاب الممنهجة ضد الشعب السوري
بقلم رنا خطيب
هل كفر الشعب السوري، و حلت عليه اللعنة محليا و عربيا و دوليا عندما قرر أن يلحق
بالشعوب العربية الأخرى و ينتفض ضد الاستبداد و الظلم والعبودية و الحرمان من
الحقوق منذ حصوله على جلاء المستعمر الفرنسي عسكريا على أرضه؟
ما أن قرر الشعب السوري الجبار أن
ينتفض و يثور لاسترداد حقوقه المغتصبة حتى تصدت له كل قوى الشر داخل بلاده و
خارجها لتلتف على ثورته و تشيطنها و
تخرجها أمام كاميرات الإعلام على أنها ثورة ارهاب يجب التصدي لها لأنها تشكل
تهديدا لأمن سوريا و الدول المجاورة و اسرائيل و أمريكا.
وقد تفننت قوى الشر داخل سوريا من أبنائها باختراع وسائل ارهابية سواء كانت
وسائل بشرية مجرمة أو سلاح متطور ، واستيرادها من الدول المتعاونة لقوى الشر، وهم:
روسيا و ايران و الصين في الواجهة و أمريكا و اسرائيل و حلفائهم من العرب في
الخفاء لإرهاب و تدمير هذا الشعب و الوطن
العظيمان و مسحهما من خارطة الدول. فأدخلوا بداية الحراك الشعبي السلمي للمظاهرات عناصر مندسة كانت تقتل المتظاهرين بدم
بارد، و سميت وقتها بالعصابات المسلحة، ثم عندما لم يجدي الأمر نفعا دخلت الدبابات
و قصفت و قتلت من الشعب و المعارضة المسلحة الكثير، ثم تطور الأمر و استخدام الطيران الحربي لقصف
البنية التحتية و الشعب، ثم تطور الأمر لاستخدام صواريخ سكود و ارض أرض و أرض جو و
لم تهدا الثورة المسلحة، ثم آخيرا تم استخدام الكيماوي - هذا السلاح المدمر والمحرم دوليا. للأسف
لقد تم تجنيد الجيش العربي السوري- حماة الوطن- و أبناء من سوريا باسم اللجان الشعبية و الجيش
الوطني لمواجهة الشعب في معركة تعتبر كل الدول التي تدخلت في الصراع مستفيدا منها الا السوريين ، وأستطاع نظام سوريا بذكائه و دعم
دول العالم له، و غباء المعارضات في سوريا و تعطشه للسلطة، جهلها في التعامل سياسيا و دبلوماسيا مع هذه
الأزمة- التي يحمّله الشعب جانبا منها- أن
تحوّل حراك الشعب السوري السلمي إلى حراك مسلح، فدخلت الثورة السورية مرحلة جديدة وخطيرة أدت
إلى ضياع أهداف الثورة وسعيها فضاعت أمال الشعب السوري و أحلامه التي خرج لتحقيقها
في الثورة.
فصار الشعب يتأرجح ما بين مطرقة النظام الدموي و سندان المعارضة المسلحة الدموية
أيضا ، فدفع ثمن الفاتورة لرسم حدود سوريا الجديدة و المنطقة دما، و ما زال يدفع و لا يوجد أمامه خيارا أمام خذلان
أنظمة العالم له و صمته عن انقاذه من الارهاب الذي يتعرض له إلا دفع الثمن.
ولكي يكون الارهاب منظما دوليا و يعطي غطاءا أمنا لاستمرار قوى الشر في حربها
الارهابية على الشعب السوري وقفت الدول الكبرى التي بيدها صناعة القرار عاجزة ظاهريا
أمام انقاذ شعب يقتل يوميا بكل أنواع
الأسلحة المحرمة دوليا، بل كانت تحبك التمثيليات والمؤامرات حفظا لماء الوجه أمام
شعوبها فكانت الجامعة العربية والمجلس التعاوني الخليجي و تمثيلياتهم التي تظهر عدائها للنظام و
وقوفها الى جانب الشعب، ثم انتهى دورهم
التمثيلي- مع وجود دور مزدوج لعمل دول الخليج و السعودية بموافقة أمريكية على
اللعب بحبلين: دعم المعارضة المسلحة بأسلحة اقل تطورا من أسلحة النظام كي يبقى
الاقتتال بين الطرفين النظامي و الحر قائما و تستمر الأزمة الدموية في التقدم نحو
الأمام ، و بنفس الوقت ظهورهم بدور العاجز أمام أزمة الشعب السوري و استحالة حلها
من قبلهم بسبب النظام السوري و ردود أفعاله اتجاه من يتدخل. وقد رافق هذا الدور
التمثيلي الفيتو الروسي الصيني- المتفق
عليه مع أمريكا بالخفاء – ليقف حائلا ضد تدخل مجلس الأمن فظهرت امريكا التي بيدها
صناعة القرار عاجزة أمام كاميرات الإعلام متذرعة بعدة حجج منها: الفيتو الروسي الصيني، و
نمو التطرف و الارهاب ودخول الجماعات المتطرفة من القاعدة و دولة الشام بين العراق و الشام و خوفها من تسليح المعارضة كي لا
تقع بأيدي المتطرفين، و مع كل هذه الوسائل الارهابية كان يزداد أعداد المعارضين في
صفوف الشعب، و يزاد عدد المسلحين منهم بعد
أن تكشفت لهم الأوراق و عرفوا حقيقة هذا النظام الممانع و هذه الأسلحة المتطورة
دوليا لمن موجهة حقا، و لم تخمد الثورة المسلحة رغم كل وسائل ارهاب قوى الشر في
داخل سوريا و خارجها، بل ازداد تطرفها بسبب استعانة كل طرف من أطراف الصراع المسلح
في سوريا بفصائل مقاتلة لا ترحم فكانت ايران و روسيا و حزب الله و الجيش السوري بمواجهة
الجيش الحر و مرتزقة الجهاد الافتراضي من كل الدول فازداد الأمر تعقيدا و خرجت
الأطراف السورية المتصارعة فيما بينها جزئيا من الصراع و بات الصراع المسلح دوليا
يخدم مصالح و أهداف الدول المتآمرة على الشعب السوري و قد أدى هذا الصراع بين تلك
القوى الى تلويح بمبادرة تقسيم سوريا. فالشيعة التي تدعم النظام العلوي -و ليس
العكس- تحاول السيطرة على حمص و الساحل كسفينة نجاة أخيرة في حال استعصى
الحل السياسي في سوريا ضمانا لمصالح روسيا و ايران و الدويلة العلوية، واستغل الأكراد أزمة الشعب السوري فتصدرت القضية الكردية على
قائمة المصالح، و ظهرت بوادر فصل الشمال
عن سوريا تمهيدا لإنشاء الدولة الكردية التي كانت حلما يراود الأكراد في سوريا منذ
زمن طويل، و اهملت حلب - الشريان الاقتصادي لسوريا كلها - بعد أن أفسد الطرفين
فيها من النظامي و الحر، و بعد ان قضوا عليها اقتصاديا فأصبحت قاب قوسين بيد
المتطرفين. و دمشق عاصمة سوريا تنازع في
الرمق الأخير.
واليوم، ومع اقتراب الأزمة السورية دخولها العام الثالث يواجه الشعب سلاحا
ارهابيا محرم دوليا وقد اعتبرته أمريكا في البداية خطا أحمرا، محذرة النظام السوري
من مغبة استخدامه، و هو السلاح الكيماوي- حيث استخدمه النظام في عدة مدن، و منها،
حمص و حلب و الآن ريف دمشق- الغوطتين-و قد تسبب هذا السلاح بقتل آلاف المدنيين
أكثرهم من الأطفال و الرضع، و كل هذا لم تحرك هذه المشاهد المؤلمة ضمير الأنظمة
العربي الخائنة و العالمية لاتخاذ خطوة فعلية ينقذون فيها هذا الشعب من حرب
الإرهاب التي تدار ضده محليا و عربيا ودوليا . و بسبب سلبية ردة الفعل الدولي ضمن
النظام غلى الحين الغطاء الدولي لجرائم الكيماوي الجديدة. وللعلم السلاح الكيماوي
لا يملكه في سوريا إلا النظام و قد اعترف هو بذلك من حوالي سنة تقريبا عندما ذكر
أنّ السلاح الكيماوي في أيدي أمينة، و لن
يوجهه ضد الشعب السوري، بل هو موجها ضد الدول التي ستتآمر على النظام السوري- و
ليس سوريا- وفي مجزرة الكيماوي الأخيرة التي نفذت في منتصف الليل 21/8/2013 في
الغوطتين التي راح ضحيها فوق 1500 قتيلا نحسبهم عند الله شهداء، كالعادة وجهت
أصابع الاتهام إلى الجيش الحر والعصابات المتطرفة حسب زعمه و قد أيدته روسيا و
ايران و بعض فصائل جبهات فلسطين المؤيدة للنظام في ذلك، و الحجة عندهم بأن الجيش الحر يريد اعاقة عمل اللجنة الدولية
للتحقيق في جرائم الكيماوي في سوريا. و الحقيقة فأن المنطق يقول لو أن الجيش الحر
كان يملك طائرات النظام الحربية و بعضا من عتاده المرسل من قبل ايران و روسيا و
كوريا -و ليس كيماويا – ما بقي النظام صامدا إلى الآن؟ لكن على ما يبدو
يوجد اتفاق بين مسؤولي النظام وعلى رأسهم ايران و قوى الشر بالتخلص من الكيماوي في
سوريا بضرب الجيش الحر، و كل حاضناته الشعبية كوسيلة لتحرير
ريف دمشق كما يظن النظام و ارهاب كل من يحاول التعاون معهم ، بالإضافة الى دول الجوار التي تأوي
اللاجئين أو تتآمر على النظام السوري ، وقد يكون الهدف أيضا افراغ سوريا من السلاح الكيماوي، الذي يشكل عند اسرائيل
الهاجس الأكبر، والذي يهدد أمنها في حال وقوعه بيد الجيش الحر، أو في حال وقوعه
بيد منظمات ارهابية أخرى معادية للكيان الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط.
وهكذا تستمر حرب الارهاب التي لا نهاية لها ضد الشعب السوري و يستمر بقاء الشعب السوري وحيدا
وأعزلا أمام ارهاب الدولة له و تغطية دول صناعة القرار له للجرائم الفظيعة التي ترتكب ضده .و المعارضة
المسلحة ذات التركيب الهجيني المتعدد من الفصائل القتالية.
أنهي مقالي بحرقة بسؤال عالق بحنجرتي: ماذا فعل هذا
الشعب السوري العظيم للعالم كي يحارب بهذه الطريقة البشعة اللاإنسانية بدءا بأبناء
بلده المستبدين أولا ثم العالم كله بما
فيهم العرب حتى يتم تدميره أرضا وشعبا و جيشا؟
الرحمة على ضحايا المجازر الكيماوي و غيرها.
مع التحيات
رنا خطيب
24/8/2013