السبت، 5 مايو 2012

مقال: تحليل مقال " لغز الهوية المصرية‏ "

وجهة نظر:

عنوان المقال :
" لغز الهوية المصرية‏ " بقلم الأستاذ د. توفيق حلمي

التصنيف : سياسي

مضمون المصنف ضمن هذه المحاور:
1- الهوية المصرية هي مزيج تكويني من موروثات و تفاعلات الأمم القديمة .
2- توضيح الغلط و الخلط بين المفردات في دمج الثقافة الإسلامية و العربية في خانة واحدة .
3- تأثر الثقافة المصرية بالثقافة الإسلامية و العربية نتيجة اعتناقها للدين و احتكاكها بشعوب العرب .
4- أثر الثقافة المصرية ، التي كانت نتيجة صنع الأمم القديمة الموجودة في مصر قديما ، في إثراء و رفد الثقافة الإسلامية و العربية . و هنا يميزها كونها أصبحت ثقافة إسلامية عربية مصرية .
5- انقسام في صفوف الشعب المصري بين من حمل لواء الثقافة الإسلامية العربية و بين من اتهمها بأنها كانت مصدر فقر و تصحر فتصدى لها .
6- انعكاس هذا التقسيم على وضع مصر حاليا و ما رافقه من تغيير في الأوضاع الاقتصادية و السياسية مما ينذر بالخطر و خصوصا محاولة إعادة نسب الانتماء و طمس المكونات أو بعضها في الهوية المصرية.
7- استهداف أمن و وحدة مصر العربية من قبل أعداءها كما تعرضت قديما لكثير من مؤامرات و الكثير من المنعطفات .
8- إنهاء المقال بعبارة : " التاريخ يكرر نفسه" و مسلسل استهداف مصر العربية يتكرر بجوهره في هذه المرحلة لكن مع اختلاف الشكل.
التحليل :
بدأ المقال بالمفتاح الأساسي يوضح مضمون المقال و التي من المفترض أن يدور حولها المقال .
" إفريقية فرعونية قبطية بحر متوسطيةعربية إسلامية‏,‏ كل ذلك في آن معا‏,‏ في خليط عجيب‏,‏ متماسك متزن‏,‏ ولكن في غيرخمول‏.‏ "
يريد من خلال هذه الجملة المفتاحية الأساسية الحديث عن المزيج التكويني للهوية المصرية و التأثر الذي أضافه هذا المزيج على الهوية المصرية كتنوع في جنسيات الأمم التي استقرت على أرض مصر قديما و حديثا و كانت أكثر الأمم تأثرا بها هي الثقافة الإسلامية و كون الإسلام نزل على أمة عربية فكان لهذه الثقافة لإسلامية العربية أثرا واضحا في تطوير الهوية المصرية ذات المزيج التكويني المختلف . بل أيضا أشار الكاتب إلى دور الثقافة المصرية في إثراء الثقافة العربية..
إذا هو يؤكد في البداية على أن الهوية المصرية هي هوية مزيجية التكوين لم تصنعها أمة بل أمم توالت عبر التاريخ و قد كان لكل أمة أثر فعّال في إثراء الحضارة و الثقافة المصرية.
ثم تسلسلت الفكرة في المقال للحديث عن احتكاك الحضارة المصرية بالحضارة الإسلامية العربية و كون الإسلام نزل على العرب فكان احتكاك الشعوب المصرية بالعرب هو عبر الإسلام كونهم اعتنقوا الدين الذي نزل على العرب فتقربوا من هذه الشعوب و حدث الاندماج بينهم فيما بعد . فكانت الصبغة الجديدة لمصر " الثقافة الإسلامية العربية المصرية "
لكن هذا الاندماج لم يكن كاملا بين شعب مصر فهناك دائما من يرفض الجديد حفاظا على هوية القديم حتى لو انقرض ، فكانت هذه الأقلية التي رفضت أن تندمج هي من تثير زوابع الخلاف بين شعب مصر و ترفض العروبة تحت لواء هذا المسمى " الثقافة الإسلامية العربية المصرية " فتحاول دائما تغذية الصراعات و إثارة الفتن كمحاولة لطمس معالم هذه الهوية المصرية التي تكونت عبر مسير تاريخي منظم و منطقي . و هنا يكمن سبب قلق الكاتب و بالتالي سبب ولادة هذا المقال. فهو يحذر من إمكانية توسع دائرة الخطر في مصر و انعطافها انعطافا سلبيا في توجهها الآن نتيجة تنوع المزيج التكويني للهوية المصرية و رفض بعضهم الاندماج في هوية الثقافة الإسلامية العربية المصرية و محاولة التمرد عن هذه الهوية و طمس ملامحها
الأسلوب :
لقد عبر الكاتب عن فكرته بأسلوب بسيط و واضح ابتعد به عن الغموض كي يتمكن القارئ من فهم ما يريد أن يصل أليه. لكن لم يكن هناك ربط متوازن بين المفتاح الأساسي للمقال و بين نهاية المقال..فالكاتب في البداية عرّف على أن الهوية المصرية هي مزيج تكويني من جنسيات الأمم المختلفة ثم نهى المقال بأن مصر إسلامية عربية تنيجة تأثرها بالحضارة الإسلامية و أنها تعاني من خطر نتيجة محاولة الأقلية طمس معالم الهوية المصرية الحالية .
فكيف هنا نعترف في البداية بالتكوين المزيجي للهوية المصرية ثم ننكر حق الشعوب التي كان لها الفضل قديما في هذا التكوين و عدم مطالبتها في الحفاظ عليه ؟!!
إدارة الفكرة كانت تسير ضمن محاور في ترتب منطقي متسلسل و في كل محور يوجد عرض سريع لمضمون المحور و كانت لغة عرض المقال لغة هادئة و عاقلة بعيدة عن العاطفة . فهو يستعرض تكوين الهوية المصرية عبر التاريخ و سيرها الطبيعي مع مؤثرات الأمم عبر التاريخ حتى وصلت إلى هذا التكوين النهائي الحالي .فهو بذلك لا ينكر حق الشعوب السابقة في المساهمة في هذا التكوين لكن في نفس الوقت يحاول أن يحمي الهوية المصرية الحديثة ذات الطابع الإسلامي العربي من محاولة بعض المصريين طمس ملامح هويتها الحالية بسبب عدم اندماجهم معها. و هنا يقع المقال في حفرة الاختلاف فيفتح الباب على مصرعيه للتأويلات الخاطئة من قبل المشاركين نتيجة عدم اتحاد مسار بداية فكرة الطرح مع نهايته.. الأمر الذي أدى إلى عدم وضوح الرؤية .
كذلك لم يكتمل بناء المقال بسبب فقدانه للنتائج تلخص هذا المقال العرضي الذي أخذ طابعا حواريا لكن لم يصل إلى مخرجات الحوار.
رؤيتي الخاصة:
فكرة الموضوع قيمة و كانت تتسع للحديث و التعريف و العرض كمعلومات على القارئ أكثر من ذلك لكن الكاتب كان يفضل الإيجاز كونه مقالا لعرض فكرة عامة عن الهوية المصرية و لم يكن بحثا في جذور الهوية المصرية و مكوناتها. و مع ذلك لقد احتوى هذا المقال على أفكار متعددة منها :
الحديث عن الهوية و مكوناتها .
و هنا يطلق المتحدثون عنها الكثير من المسميات فهل هي الهوية الدينية أم الفكرية أم الانتماء أم الوطن؟
هناك الكثير من هذه المسميات تجعل من إمكانية تحديدها من الأمور الصعبة فتضيع الرؤية ضمن هذا التوجه.
لكن لنتفق كوننا مسلمين و عرب على أن هويتنا مسلمة عربية في الدرجة الأولى ثم تأتي الجنسية ، كونها أخر حضارة طرقت أبواب المنطقة هي الحضارة الإسلامية العربية.
و هنا أخالف الكاتب في طريقة الحديث عن الهوية المصرية كونها هوية لها مميزاتها تميزها عن الهويات العربية الأخرى.. فالكاتب كونه مصريا يعرف قدر و تاريخ مصر أكثر من باقي العرب الغير مقيمين في مصر لكن هذا لا ينفي أن البلاد العربية أيضا لها من موروثات الحضارات القديمة الكثير و الذي ساهم في تكوين ثقافاتها الحالية. فبلاد الشام مثلا كانت الحاضنة للكثير من حضارات الأمم السابقة و التي خلفت لنا تاريخا و معالم حضارية ما زالت شامخة و قائمة حتى الآن بمسمياتها الأجنبية ومعالمها و آثارها . فهل نتكلم عن الهوية الشامية ما لها و ما عليها و ما تتعرض له الآن ..الشام مثل مصر مثل المغرب كلهم يتعرضون لحالة طمس لملامح الحضارة الإسلامية و العربية.. هذه هي الرؤية التي يجب أن ننطلق منها .. (و هنا يجب أن ننتبه لدور الحفريات الأثرية و علماء الآثار الغربيين الذين يأتون كمتطوعين للتنقيب عن الآثار الموجودة في أرضنا العربية. فهم لا يفعلوا ذلك حبا فينا بل لغايات خاصة بهم.)
أما الحديث عن الأمم الغابرة التي ساهمت في تكوين الهويات سواء مصرية أم شامية أم غيرها فهنا اسمح لي بقول أن التسلسل المنطقي لسنن الكون تشير إلى الأمم الحالية التي هي من يجب أن تملك ذمام و موروثات الأمم القديمة..لقد كان من سنة الله في الكون و الأمم و التي لن نجد لها تبديلا بأن الأرض يرثها عباده الصالحون و هذه الوراثة لا تكون إلا بعد أن يتم القضاء على الأمم الغابرة نتيجة فسادها .. فهل من المنطق أن نطمس ملامح أمة تقيم على أرضها الآن لنعيد ذكرى حضارات أمم انقرضت بفعل السنن الكونية؟
فالمنطق الآن يقول أننا ورثة هذه الأرض وبالتالي نحن المالكون لها و لمقدراتها و ثرواتها حتى يرث الله الأرض و ما عليها كوننا أخر حضارة عربية محمية بشعاع الإسلام الذي جعله خاتمة الأديان.. فبقاء لغتنا مرتبطا ببقاء الإسلام كدين ليس للعرب فقط بل للعالم كله .
و المنطق يقول أن مصر الآن دولة إسلامية عربية و غير هذه الإدعاءات باطلة و على الأقلية أن تتقبل هذه الهوية و تعرف أنها تعيش ضمن أرض هويتها مسلمة و عربية لكن تتمتع بحقوقها المدنية الخاصة بها .. و بنفس الوقت تدفعنا الفضيلة بأن لا ننكر اعترافنا بالأمم الغابرة كتاريخ مضى في مساهمتها في بناء تكوين هذه الهوية.و هذا ما يسجله التاريخ لا ينكره.
أثار المقال أيضا فكرة جميلة و هي فكرة العروبة ..و العروبة هنا لا تنتمي لعرق معين أو مذهب معين ضمن وطن يحوي عروق و مذاهب مختلفة.. فالعروبة توحد الانتماء عند التنوع الشعوبي . و هذه العروبة توجت بتاج الإسلام الذي هو توصيف الهوية المصرية الحالي ..و هذا الانتماء ينفي التعددات القومية و الوطنية والحزبية ذات الاتجاهات المختلفة. فعروبة الإسلام لا تقف ضد شعارات القومية ضمن وطن واحد فقط بل ضد كل التكتلات التي تعزل نفسها عن دولة الإسلام.. و هنا مقصدي القومية العربية. فالإسلام لم يأتي للعرب فقط بل للعالمين قاطبة.
الفكرة الأخيرة التاريخ يعيد نفسه:
نعم هذه سنة كونية لا يختلف عليها عاقل.. فكرة نشوء الأمم و انحدارها و انتهاء ولايتها....فكرة الصراع بين الأضداد.. فكرة تكرار نفس الأسباب المؤدية إلى اندثار أمم ذات حضارات عريقة .. فكرة الحروب القائمة بين القديم المتمثل بالموروث و معالمه الحضارية و بين فكرة التجديد و الانقلاب على القديم و نكرانه و عدم الاعتراف به..فكرة المؤامرات و الغزو..و غيرها كلها يكررها التاريخ عبر مسيره لكن يختلف الشكل الخارجي وفقا لاختلاف طبيعة الحياة و التفكير و الأوضاع الجديدة للمجتمع
العالم الإسلامي العربي عالم مستهدف منذ أن ظهر على وجه الأرض و أنشئ له وجودا قويا فكان أقوى أمة توفرت بها كل مفردات الحضارة العريقة و الراقية فكتب على هذه الأمة أن تكون عرضة لتعدي الشعوب الأخرى عليها لأنها خسرت أهم قاعدة قامت عليها الحضارة الإسلامية و هي
" لا اله إلا الله " قولا و فعلا ..
و من هنا أختم أننا و بكل فخر هويتنا كعرب و مسلمين مسلمة عربية ثم تأتي الجنسية في المرحلة الثالثة لتحديد البيئة الجغرافية كهوية فقط.
و أما تعزيز مكان الهويات العربية كمكانة منفردة عن الأخرى فهذا يفتح المجال أمام الجاهلين لتعزيز فكرة القطرية و الابتعاد عن فكرة الوطن الواحد و هذا ما يريده الاستعمار تعزيز الفرقة و إضعاف وحدتنا الإسلامية العربية في عقولنا كي يسهل عملية الغزو و تطبيعنا بمفاهيمهم و القضاء على وجودنا و لغة القرآن الكريم.
كلنا نفخر بمصر و مصر تفخر بأخوتها العرب و ما تعانيه مصر من صراع ضمن هذه الدائرة تعانيه الدول العربية الأخرى ضمن دوائر أخرى.. فلا يجب أن نغذي الشعور الوطني على حساب وحدة الإسلام .
الموضوع في قسم المقالات بقي مفتوحا فما هي النتائج التي يمكن أن تخلصوا أليها كمخرجات لهذا الحوار بعد طرحكم لهذا الموضوع ؟
و نبقى أخوة عرب رغم اختلاف مسميات البلد يجمعنا دين محمد عليه أفضل الصلاة و السلام و لغة القرآن الكريم و تاريخ عريق ساهم في صنعه أجدادنا من المسلمين و العرب الذي خلدهم التاريخ و سيبقون منارة تهتدي بها هذه الأمة التائهة إلى أخر يوم لنا على هذه الأرض و مصيرنا واحد و عدونا واحد ..فلنجمع شتاتنا ضمن بوتقة واحدة و لنذيب التسميات الظاهرة لهويتنا و لنتحد مسلمين و عرب لننهض من جديد و نعيد بريق حضارتنا الذي شحب لونها بسبب غياب حارسي هذه الحضارة عن حراسة قلعتهم .
و يستحضرني هذا السؤال الحائر فعلا
الحديث ضمن " أن هويتنا كعرب هوية مسلمة عربية " هو حديث نظري و يمكن أن تسميه عاطفي أيضا لأن مؤشرات الواقع لا تشير إلى هذا..بناء على هذا ، كيف نستطيع أن نخرج بحلول عملية تستوعب كل الأقليات المختلفة في الديانة و المذهب و العرق و التي تعترض على هذه الهوية؟
فالأقليات ضمن المجتمع الإسلامي تحاول من فترة إلى فترة أن تعترض و تثير الخلافات لتطالب بإنشاء وطن خاص بها ، فإن ألجمت الحكومة مطالبها اعتبرت مستبدة و إن تركنا لهم الحرية في ذلك تكاثفوا و تكتلوا و تجمعوا تحضيرا للانقلاب ؟

مع الشكر للأستاذ الفاضل توفيق حلمي الذي أتاح لنا الفرصة للحديث هنا من خلال طرحه للمقال.
مع التحيات
رنا خطيب
1/12/2009

رابط المقال الأصلي:

هناك تعليقان (2):