الجمعة، 4 مايو 2012

أدب: العم فنغري و قراره التاريخي رقم 33

مقال ساخر:

العم فنغري و قراره التاريخي رقم  33


كان هناك رجلا يلقب بالعم فنغري نظرا لسرحانه و فنغرته في هذه الحياة بلا هم و لا غم، كان رجلا بسيطا و شعبيا يأخذ الأمور ببساطة. و كان يملك مقهى اسمه "فنغر و انسى "  ،  و هو مقهى عصري خاص بشرب الشيشة و الشاي و القهوة و المرطبات الباردة ، و هناك طلبات خاصة لكن للخاصين و لا تظهر في ساحة المقهى..

وكان هذا المقهى ينهج نهجا خاصا في التعامل مع الزبائن.. فما يهم العم فنغري بالدرجة الأولى مكانه أن تتوافد إليه الأقدام و تتقرب إليه و يصبح اسمه مشهورا في المجتمع كما هم نجوم السينما في هوليود ، بالإضافة إلى جنيه للمال من وراء كثرة الزبائن.

وكان عم فنغري عنده طاقما لإدارة هذا المقهى الشعبي و سياسته مثل أي نظام إداري فاسد في الدولة..وضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب  لذلك كانت تكثر أخطائهم و تعاملهم مع الزبائن مما يتسببون  في تطفيش الزبائن أحيانا..و كان بعضهم موضة قديمة من عصر جدي و جده و لازقين في إدارة المقهى كلزقة الحاكم العربي على كرسيه رغم عرجهم بسبب تجاوزهم السن و كسلهم وتوقف ملكات العقل على نشاطها الذهني وعن إبداع طرق جديدة في إدارة المقهى .. لكن يعود العم فنغري من جديد لتصحيح أخطائهم بالاعتذار من الزبون وإضافته على حسابه لمدة يوم أو أكثر حسب مستوى و رتبة الزبون . فهذا زبون مصدر عيشه وهو حريص على مصدر عيشه؟

و حرص العم فنغري على أن يضم هذا المقهى عددا من النساء إيمانا منه بحكمته الشهيرة وراء كل امرأة زبون مبهر و مدسم ...طويلة قصيرة..حلوة بشعة.. مثقفة جاهلة.. المهم أنه تعرف تتحرك نحو جيب الزبون و تنهشه نهشا ، و تجعله يداوم في هذا المقهى .

لكن كان يواجه مشكلة مع بعضهن فهناك نساء كن يتمردن  عليه بقوتهن و عدم تنفيذ الأوامر ، لكن مجبور أن يبقي عليهن في المقهى لأنهن نشيطات و جدعات عند اللزوم ، و الواحدة فيهم تساوي عشرة رجالة من الذين معينهم وحاملين شوارب بالوكالة ، و بعضهن جاهلات يغلب عليهن الغباء و لا يهمن إلا الرقص و التحرك الملتوي في المقهى ، و هو المطلوب لفئة خاصة من الزبائن.

كله شغال المهم المقهى يشتغل و يجيب أرباح واسم العم فنغري يصير في العالي.. " ريته يسلمي و هو مفنغر و مش سائل على حد . "

عاش المقهى فترة طويلة في سبات و نبات وكنا عائلة رغم اختلاف الاتجاهات  إلا أن جاء اليوم الموعود..يوم تبيض وجوه و تسود وجوه .. و غزا هذا المقهى الشعبي الجميل قطيعا متوحشا من فئة البشر دخلت المقهى ، و هي تنظر بازدراء إلى كل من فيه سواء كانوا عاملين أو زبائن .. فقرر هذا القطيع الجلوس في مكان فيه حشد من الزبائن ، فطرد الجالسين عليه وصفعهم على روؤسهم ، و بدا يلقي زبالته الكلامية عليهم مرة بالشتم و مرة بالإهانة و مرة باستعراض العضلات بضرب من يحلو له .. فما كان إلا أن انتفضت إحدى العاملات القويات في المقهى ، بعد أن نظرت إلى جميع العاملين و الزبائن من الرجال و هم صامتين لا حول لهم و لا قوة.. قذائف الإهانات تنهال عليهم كقنابل الهاون و لا أحد يتحرك من أرضه.. و العم فنغري كالعادة في المطبخ السري بيفنغر و يشرب " شيشة " و المقهى أخر همه لأنه مشغول في الأهم؟!!!  ، انتفضت تلك المرأة على هذا القطيع و ملامح الغضب ظاهرة عليها ، فجلبت خرطوما من الماء، وأخذت ترشهم لتجعلهم يخرجون من المكان .فما كان من هذا القطيع إلا بدأ ينهال عليها بالضرب المبرح مستعرضين قوتهم الفقاعية على تلك المسكينة الثائرة بسبب تجاوزاتهم .
و كأنهم توهموا بأنهم يقاتلون دراغولا ..يا ساتر.. ثم عاودا الجلوس ثانية ينتظرون ردود أفعال رجال القهوة وزبائنها متوجسين من ردة فعل مجنونة قد تحلق رؤوسهم !! لكن عبس .. الزبائن مطمئنة ، و ليس لها في إغاثة المظلوم و دفع البلاء عنه و عن المكان .هذه موضة قديمة وانتهت مع غروب شمس القيم و الأخلاق و الشجاعة ...  ولم  يحصل شيئا ..فما كان من هذه المرأة إلا أن سارعت تصرخ " و تقول واااااه فنغرااااااه واااااااه فنغرااااااه " و تبكي و تشكي ما حصل لها إلى العم فنغري و هو في المطبخ  .. فلم يرد أول مرة و سحب نفسا عميقا قائلا: لذيذة هذه الشيشة ، التنباك الموجود فيها مركز قوي ، ثم قالت له هل سمعت ما قلت ،  فهزا رأسه و سحب سحبة نفس أخر.  فتركته غاطسا في حبيبته الشيشة ، و الحمد الله انه حبيبته الشيشة و ليس حاجة ثانية. خرجت المرأة من المطبخ و قررت أن تأخذ حقها  بيدها.. فذهبت إلى شجرة قريبة و أضرمت فيها النار فاشتعلت جزئيا  فما كان من الناس إلا أن بدأوا يصرخون مستنجدين بالعم فنغري ..ألحقنا يا عم فنرغلي المقهى يحترق.... فما كان من العم فنغري إلا أن خرج مزعورا ، و نسي نفسه أنه حافي و بلباس النوم ، بعد أن سمع أصوات الصراخ من زبائن القهوة و كل فكره أن المقهى أتحرق.. فلما وجدها شجرة ..قال جملته الشهيرة ..ربنا يصبرنا على المكتوب ..عملتيها يا سيدة ؟؟؟  قالت له : انظر إلى ذلك القطيع المتوحش و ما فعله بسكان المقهى و كفى مهزلة و تراخي و أخذ الأمور بعبطك ، انتبه لمقهاك و تابع ما يحدث فيه .ثم أشارت بإصبعها إلى ذاك القطيع و قالت:  حديثك معهم و ليس معي ..اقترب العم فنغري منهم و سألهم بلطف ممكن أعرف طلباتكم ؟؟  فرمقوه بنظرة جعلته يخرج أنفاسه بصعوبة و لم يردوا عليه ،  ثم عاود سؤالهم : ممكن تتفضلوا إلى مطبخي المتواضع نتفاهم؟!! ... فما كان منهم إلا أن ركلوه ركلة فتكوّم العم فنغري عند الشجرة التي أحرقتها جزئيا  , وخرجوا من المقهى بعد أن نشروا الفوضى الخلاقة فيه  وشبكوا الناس ببعضها ..  اخذ ينظر إلي و يهمم بصوت مخنوق ، وعيونه الناعستان تقطران غضبا و شرارة ،فقلت له هذا ما قدرك الله عليه؟!!!  يا فرحتي على طولك و عرضك و على شواربك وأنت غير قادرة تحمي مقهاك و عائلتك في المقهى ... ماذا أفعل بك و أنت متكوّم الآن ؟؟ و ماذا أفادني صمتك عن تجاوزاتهم ؟؟ يا رجل نفسي مرة أراك وقفت موقفا بطوليا صادقا مع نفسك و مع غيرك..دائما سارح وتارك الهم لغيرك.. أقوم أتحرك و خذ موقف بطولي مرة في حياتك .. هؤلاء قوم رعاة اعتدوا  على المقهى و سكانه و تطاولوا  باليد و اللسان بغير وجه حق.  أقوم أقوم أقوم ألحقهم قبل ما يختفوا رد شرف المقهى و شرف عائلك ؟؟ فمكان منه إلا أن صرخ لطاقم المقهى المذهول لحمله إلى المطبخ ، فحملوه على الأكتاف ، طبعا هذا العم فنغري ولي نعمتهم و لو قال لهم على الأبيض أسودا قالوا نعم .

وجلست أنا عند تلك الشجرة المحترقة جزئيا نرثي بعضنا بعض وأتحسر به على زمان غاب فيه الرجال و أصبحوا كالفئران عند مواجهة الخطر على أرض الواقع..
تذكرت عندما نادت امرأة في يوم من الأيام  واااه معتصماااااه كيف حشد جيشا لنصرتها.. تذكرت كيف يتم اغتصاب شرف هذه الأمة العربية  يوما بعد يوم و رجالها لاهين وغارقين في سكرة الشيشة و توابعها.. تذكرت أشياء كثيرة ، وفي هذه الأثناء خرج العم فنغري بعد أن روّقوه عماله و عاملاته في المقهى ، و تصدر منبر القهوة.. طاولة الحساب ..و وقف عليها خاطبا أمام الزبائن و الجميع : لقد أخطا هذا القطيع الذي اعتدى على شرف مقهانا و على سكانه  بأن فكّر و لو مجرد تفكير أن تطأ أقدامه عتبة هذه المقهى ، فكيف و قد بالغ في غيّه و ارتكب الفظائع بحقنا ، ولذلك قررت أنا راعي المقهى أن أقتص منهم بمعاقبتهم ، فطلب من عماله أن يقبضوا عليهم ، و يربطونهم عند الشجرة ، و يجلدونهم كي يبقوا عبرة لكل من تسوّل نفسه أن يقترب من سوار هذا المقهى .. وقال لهم : أجلبوا معكم  شيشاتي..منية قلبي.. من المطبخ كي أتلذذ بأنينهم وهم ُيجلدون أمامي... فنظرت سيدة الثائرة إليه و قالت :و الله إنك فالح و جدع ..قال لها: حتى تعرفي أنه العم فنغري حامي الحمى ،و لا يقبل بالتعدي ، و انه كالأسد في قوته ، و كالنسر في اقتحامه .. فضحكت سيدة و قالت: من تكلم يا عم فنغري؟!!! أنت تخاطب طواحين الهواء؟؟؟ ألم تعلم بأنهم خرجوا بعد أن افسدوا علينا لحظتنا؟ و لا هو ضباب الموقف جعل الرؤية عندك قاصرة؟!!! أم هي بطولة استعراض العضلات أمام الزبائن لغسل ماء الوجه بعد الفضيحة والسكوت على الاعتداء ؟!!! قال لها : انتظري لم أنتهي بعد.. وعليه يا جماعة المقهى أنهي خطابي بقرار تاريخي حاسم لا رجعة فيه و كان لا بد منه و هو إعفاء سيدة من الخدمة في المقهى لأنني أحمّلها ما حصل للمقهى ، و ما تسببته من إزعاج راحتي و راحتكم ، و من تعدي سافر علينا جميعنا .. و اليوم مشاريبكم كلها على حسابي، و ولع الفحمة يا ولد .. فانفجرت سيدة بالضحك الهستيري و قالت له : لمّلم أجزاءك المتبعثرة في وادي الذئاب ، و ارجع إلى مطبخك.  هو أنت مفتكر أنك ستأتي بشيء جديد غير الذي فعلته و ألفناه ؟!! ، أرجع مطبخك ، فاليوم لا تظلم حرة و أنت موجود يا عم فنغري!!!!


مع الشكر
رنا خطيب

28/4/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق