السبت، 5 مايو 2012

مقال: نرجسية المقام

مقال أدبي
نرجسية المقام

تسافر بنا الألقاب إلى حيث نحلم، وعندما يصبح حلمنا واقعا ، نطير معها إلى حيث لا ندري.. فتصبح نفوسنا رهينة لذلك الإطار الذهبي الخارجي . يأسرنا بريقه ، فيحولنا إلى أصنام تتحرك وفق معاييره الخاصة. ويبدأ الجوهر الداخلي يفقد لمعانه، فيخبو بريقه و قد يذهب.

ماذا يحدث للنفوس عندما تسافر مع رحلة الألقاب و تعتلي صهوة المقام ؟؟!!

أحيانا تلك النفوس ، ذاتها، لا تجد الإجابة على ذلك السؤال ، فهي إما مفتونة بسحر الألقاب في حضرة المقام، و إما غارقة في بحور الغرور والزهو بذلك اللقب، و إما صامتة حفاظا على مقام الألقاب.

الإنسان الساعي لبناء قلعة صامدة ذات بنيان منيع ، تبقى قلعته يذكرها التاريخ مع مرور الأيام و يشدو بها ، و تتحول إلى مزار يقصده الناس من كل مكان للاستمتاع بهذا المزار و التمعن بآثاره و نقوشه الأثرية ..

الإنسان الذي يحمل رسالة في سعيه ، يتعرض للكثير من العوائق و العثرات، يسقط تارة و يتماسك تارة ، لكنه لا يتوقف عن أداء تلك الرسالة.. و كلما كانت هذه الرسالة واضحة الملامح و الأهداف ، و زاخمة المعاني، ووافرة العطاء ، كلما تلقتها النفوس و استوعبتها و شربت رحيقها كما تشرب الأرض العطشى ماء الغمام الماطر بغزارة.

الإنسان العاقل يدرك أهدافه في هذه الحياة و يدرك الحكمة من خلقه و ما عليه من بناء لعمارة الحياة.. و يعلم أن كلما كان بناؤه قويا في هذه الحياة ، كلما جعل لبصمته آثر يبقى بعد الرحيل الأخير.
التواضع في المقام لمن ينظرون إلينا بعين الحاجة، ويتطلعون إلى خير ذاك المقام و ما ينسجونه من أحلام ، وما يبنون على ذلك المقام قلاعا من الأمل و النجاح و التجاوز لحالات الجهل التي تسكن عقولهم، هو أساس نجاح صاحب المقام، فهم يتطلعون بعيون حارقة إلى منارتهم لكي تضيء طريقهم المتعثر و الغارق في ظلمة الجهل.
ماذا نفعل بضعفائنا عندما نمارس طغيان المقام وسلطته فنقوم بقمع أصواتهم الاستفهامية ، أو إغلاق قنوات العبور إلى ضفاف المقام، أو ممارسة طقوس الصمت الفاجع و قتل رغبة التواصل .
إننا نقتل وجودهم و نفوسهم... و ما أصعب أن يموت شيئا في نفس الإنسان و هو مازال على قيد الحياة.

أهي نرجسية تصيب المقام؟!!!
أم هو مرض يصيب نفوس أصحاب المقام فيجعلها تحلق في عالم تصبو به لذاتها و تتألق في عالم ينطق بالأنا التي لا يسمع صداها إلا النفس ذاتها ؟؟!!!

أي عيون تعمي أصحاب المقام عن رؤية الحق في تلك النعم التي أغدقها الرب عليهم.. و اختصهم بنعم لم يختص بها الكثير من البشر!!

ألا يتدبرون الحكمة من اصطفاء الله لهم و تخصيصهم بشرف تلك النعمة .
آلا يدركون أن الحساب على قدر العطاء و النعم؟ ؟!!
ألا يدركون أن كلما ازدادت نقاط القوة لدى الإنسان ، ازدادت مسؤوليته في توظيف هذه القوة لخدمة البشر و بناء الأرض ؟!!
يا أصحاب المقامات ..
رفقا بضعفائنا ..
علو المقام يكون بعلو الهمة و العزم على أداء رسالة المقام التي منّكم الله بها ، و ليس بزهو النفس و تعجرفها و تكتمها عن أداء رسالة المقام.

فسلطة المقام فتنة سارحة بالإنسان إن حكّّّّم الهوى في النفس و اتبع ضلالها. و هي نعمة لمن حكّم العقل و أتبعه هداه.

فهل نكون من أصحاب النعم أم نرضى بأن نكون من أصحاب النقم؟!!

مع التحيات
رنا خطيب

9/12/2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق