السبت، 5 مايو 2012

مقال: ورقة سياسية محروقة لكنها ما تزال نافذة المفعول

مقال سياسي:

 
ورقة سياسية محروقة لكنها ما تزال نافذة المفعول


ورقة سياسية أطاحت بميزان التوازن في المنطقة العربية فذهب ضحيتها شخصيات كبيرة بريئة ، و زج بدول في حفرة التهلكة لينال بها صانعو هذه الورقة المكاسب نظرا للمصالح التي تختبئ خلف هذه الورقة.
ورقة أدرك العاقلون المتبصرون كنهها ، و كشفوا اللثام عن حقيقتها ، فحاولوا أن يبطلوا مفعولها و تأثيرها على الساحة ، لكن رغم احتراقها عند الكثير إلا أنها ما زالت ورقة نافذة المفعول يجني أصحابها الكثير من المكاسب ..


إنها ورقة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري الذي أشعل مقتله نيران الفتنة على أرض لبنان ، و امتدت ألسنتها لتطال الدولة الشقيقة سورية ، و تعرض للبلاء بعض الساعين لفض النزاع الذي أطلقت شرارته تلك الورقة...


يصّرون مبرمو هذه الصفقة و المستفيدون من إطالة مدتها ، رغم أن حقيقتها أصبحت في متناول الأيدي، أن يجدّدوا أحداثها بتجديد الاتهامات و توجيه مؤشراتها نحو المزيد من الضحايا ..
بالأمس كانت سورية و حلفائها في لبنان ، و التي سارع تجار هذه الصفقة بأن تكون هي المتهم الأول في قضية اغتيال الحريري ، رغم تعدد احتمالات التورط في هذه القضية منها إسرائيل ، و مناهضي النظام اللبناني ، و بعض الجماعات الإرهابية ، و ما أسفر هذا الاتهام عن تحقيق بعض أهداف هذه الصفقة ، و أولها إثارة العداء ضد سوريا ، و إجبار سورية بموجب هذه اللعبة السياسة على الانسحاب من لبنان تنفيذا لما جاء في القرار الدولي رقم 1559 ، ليحلو للكيان الصهيوني و حلفائه اللعب بأوراق لبنان و جعلها قاعدة مركز للكثير من مصالحهم السياسية و العسكرية في المنطقة العربية . و تم إسقاط رئاسة الرئيس السابق إيميل لحود ... وكانت من الأهداف العميقة لهذا الاغتيال هو تطويق المقاومة ، و نزع سلاحها ، و الالتفات بعد ذلك إلى المنطقة العربية لتولي أمر إخضاعها و إسقاطها بعد أن تكون قد أسقطت النظام السوري و أضعفت المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله ، و ذلك وفقا لأهداف المخطط الصهيوأمريكي .
وقد تعاون في دائرة تحقيق هذه الأهداف من اغتيال الحريري عملاء الموساد الإسرائيلي من اللبنانيين ، الذين تلقوا تدريبا منظما على يد الموساد الإسرائيلي ليكونوا الراعي لمصالح إسرائيل في لبنان . و هم يعلنون كل مرة عن أسمائهم من خلال مواقفهم المتخاذلة ، و محاولتهم دائما لإفشال أي محاولة يمكن أن تطفئ نيران الفتنة على أرض لبنان .بالإضافة إلى بعض الدول المؤيدة لهذه الصفقة و على رأسها فرنسا ، و التي ما تزال تعتبر لبنان مستعمرة تخصها و تخص مصالحها . و دارت الأيام و أعترف أحد أوراق هذه الصفقة ابن الرئيس رفيق الحريري ..
سعد الحريري... الذي كان أول من تاجر بدماء أبيه من خلال جعلها قضية لصيد كل من يرغب به الكيان الصهيوني و أمريكا و حلفائهم بالتعاون مع هذا الولد المدلل الذي لا يفهم من السياسة غير أن يكون ظلا لتلك القوى الساعية لتدمير لبنان و المنطقة العربية بالإضافة إلى بعض العملاء للموساد من داخل لبنان و قوى المعارضة اللبنانية في خارجها . أعترف بان اتهامه لسورية كان تهورا سياسيا ، و بعد ذالك حصل انفراجا بسيطا على صعيد العلاقات الثنائية السورية و اللبنانية ، تلاها عدة زيارة من قبل سعد الحريري إلى دمشق ، و التي كانت تؤكد على عودة هدوء العلاقات إلى نصابها ..لكن لم تنتهي هذه الصفقة ..فما تزال هناك أهدافا إستراتيجية عميقة تريد تحقيقها من خلال هذه الورقة السياسية ...

وهنا جاء دور المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله لتكون المكان الذي ينصب عليه صانعو هذا الحدث شباك المصيدة في محاولة لإضعاف من وجود هذه المقاومة ، بعد أن أصبحت الأخيرة مسمارا لا يسهل قلعه على أرض لبنان ، من قبل الموساد و الكيان الصهيوني و حلفائه ، و بعد أن مني هذا الكيان الجرثومي بهزائم متلاحقة من قبل هذه المقاومة بدأت منذ عام 2000 عند انسحابها من أراضي جنوب لبنان ، ثم تلتها هزيمة قاسية ألحقتها هذه المقاومة بهم في حرب تموز 2006، و كذلك أوقفت زحف المشروع الأمريكي في المنطقة العربية حول "انبعاث شرق أوسطي جديد "

إسرائيل و حليفتها أمريكا يدركون بأن هذه المقاومة تشكل خطرا يهدد مصالحها في لبنان ليمتد إلى المنطقة العربية.. لذلك سعت ضمن هذا المضمار و قد كانت التهمة المعلبة الموجهة لحزب الله بوجود : "
عناصر غير منضبطة في حزب الله " لتلعب المحكمة الدولية على هذه الورقة . و طبعا الهدف واضح هو جر حزب الله إلى فخ هذه المصيدة .. و تتصاعد إشارات الخلاف و ردود الأفعال على الساحة اللبنانية ما بين حزب المقاومة و قوى 14 آذار و حكومة الوحدة الوطنية في لبنان ، و كان أخر ردود الأفعال الحالية استقالة إحدى عشر وزير من قوى 8 آذار من حزب الله و حلفائه ردا على عدم استجابة سعد الحريري لمطالبهم في اتخاذ موقفا من المحكمة الدولية و قرارها الظني ..و رغم معرفتنا بحقيقة هذه المحكمة الدولية التي شكّلتها الدول التي صنعت هذا الاغتيال و غيره ..فكيف تنتظر بعض الدول قرارها النهائي و هو أصلا قائم على مجموعة من الاتهامات و الظنون التي تفيد الدول التي كان لها مصالحا في اغتيال الحريري؟

و تستمر سلسلة الاتهامات من وراء التصفيات الجسدية أو الاغتيالات لأبرز الشخصيات العربية ، و يستمر معها التضليل للحقيقة ، يرافقه استمرار السلوك العربي السياسي الغير مسؤول كردة فعل تنتهج ضمن نفس المسار القديم رغم تنبه الوعي السياسي عند بعضهم لمن يقود هذه الاغتيالات .

القضية واضحة و لا تحتاج إلى مجهر لمعرفة تفاصيلها فقط نحتاج إلى ترجمة وعينا لقضية الاغتيالات إلى فعل مقاوم حقيقي على أرض الواقع..

من يقف وراء قضية الاغتيالات لرموزنا و نخبنا في المنطقة العربية ؟ إن أردنا أن نعرف الفاعل لهذه الاغتيالات يجب أن نسال أنفسنا من هو المستفيد الأساسي منها؟
و هنا نضرب مثالنا على لبنان كوننا في قضية اغتيال الحريري ، فمن هو المستفيد من بقاء لبنان ممزقا في صراعاته ، و غارقا في فوضاه السياسية ممهدا لصراع مذهبي جديد أو حرب أهلية متوقعة؟ من هو الذي يلعب على تناقضات الأحداث ، و يستخدم المختلفون في إيجاد صيغة موحدة مشتركة تعمل لأجل لبنان أمن و حر ؟ من هو الذي يريد من لبنان أن يكون نقطة انطلاق سياسية عسكرية تخدم مصالح العدو و أعوانه في المنطقة العربية؟

إن التخطيط لاغتيال الرموز العربية ليس جديدا ، و لن يتوقف ، و هذا العمل الإجرامي لا يتم بشكل عشوائي فهو يعتمد بالدرجة الأولى على نظام استخباراتي مدرب و منظم و دقيق في عمله ، و هذا النظام يحتاج أيضا إلى تقنيات عالية و رصد و متابعة داخلية للهدف الذي سيتم اغتياله .. و لا تستطيع الجهات الخارجية بمفردها أن تقود كل هذه العمليات للوصل إلى الهدف ، بل لا بد من تعاون داخلي قريب من الهدف لإنجاح هذا الاغتيال.. و هنا يأتي دور شبكات الاستخباراتي الذي يقوده الموساد الإسرائيلي في وطننا العربي ، و الذي له عملاء مدرّبة و منظمة من قبله ترعى مصالحه داخل بلادنا العربية .

و هنا يكمن مربط الفرس؟
هل نستطيع بوعينا لهذه المسالة أن نطوق عمليات الاغتيال المستهدفة لبعض الرموز العربية ؟
و ماذا عن دور النخب السياسية التي من المفترض أن تكون لها مشاركات فعّالة على أرض الواقع من خلال برنامج التوعية التي من المفترض أن تقوده و تؤثر في صانعي القرار السياسي ؟

  رنا خطيب
  14/1/2011


  رنا خطيب
  14/1/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق