الجمعة، 4 مايو 2012

مقال: الخطيب المنبري المنظم

مقال فكري :

الخطيب المنبري المنظم


أعتدنا على طرح القضايا المتنوعة ذات الشأن على المنبر ، و التكلم بصوت خطابي عالي حول استرجاع الحقوق المغتصبة ، و تحسين أوضاع المعيشة ، و مكافحة الفساد و الجريمة، و محاسبة المسؤولين في تقصيرهم في مكافحة الفساد ، والمطالبة بحقوق المرأة و مساواتها مع الرجل في عصر لم نعد ندري ماذا تريد به المرأة أكثر مما وصلت أليه لتأخذ حقوقها.

و ما أن ينتهي خطابنا.. حتى تطوى الورقة المتضمنة لذلك الخطاب البراق الذي أمضينا به وقتا طويلا و نحن نعدّ له الكلمات المنظمة المؤثرة في العقل ، و الشاحنة للعاطفة ، والدافعة للهمم ، و الباعثة للأمل نحو رؤية جديدة للمستقبل. ثم ننزل من هذا المنبر الثقافي الذي يشعرنا بعظمة من يعتليه ليلقي بكلماته في عقول متعطشة لتغير ما يحدثه معتلي المنابر ، ويرفع الثقة عند الشعوب نحو رؤية جديدة للمستقبل تتحقق من خلاله العدل و الحرية و المساواة. ثم تصفق تلك الشعوب المستمعة لذلك الخطيب المنبري المتألق في عالم الكلمات والورق ، و الحالمة بمن ينقذها بكلمة صادقة توجه إلى من يزرع الفساد، إلى من يشجع على الجريمة، إلى من يعتدي على حدودها و أعراضها و ثرواتها و تفكيرها ، إلى من يعتدي على مستقبلها الغامض الذي تتربص له الأعداء ..
لكن، في أثناء هذا الوقت الذي تتخدر به هذه الشعوب من جرعة الخطاب المنبري وأداء الخطيب البارع في زرع مقاصده في تلك العقول ، هناك من يمرر في هذه الخطابات دعوات مبطنة تحاكي خياله ظاهريا ، لكن تضمر له السوء في النية، و هي تسعى في خطاباتها لتنفيذ أغراضا ، هي في الغالب ، منظمة من قبل جهات تهدف لتخدير الشعوب ، و تأدية مخططات معينة تعود بمصالحها إلى تلك الجهات التي نظمت هذا الخطيب المنبري..
إذا ، نحن أمام غزو واحتلال فكري يجتاح عقولنا في الخفاء. و هو أخطر من الغزو العسكري.
إنه غزو العقول و اغتيال هويتها الفكرية و تجنيدها للطرف الآخر ..هذا الغزو يحتل أعماقنا ، و يقتل الثقة فينا ، و في مستقبلنا و مستقبل أبناءنا ، و يحولنا إلى أداة تابعة لذلك الطرف الآخر ،و وسيلة يحقق بها مصالحه.
كيف لنا أن نوقف مد هذا الغزو الفكري و التصدي له بكافة أسلحة المقاومة ، كل من موقعه، و اخص ، هنا بالحديث ، المثقفين الذين يملكون السلاح الحقيقي و هو القلم و رسالته و ملكته الفكرية الذي يجعلهم بسهولة ينتبهون إلى وسائل هذا الغزو التي تتسلل بخفاء إلى العقول لدرء هذا الغزو عن شعوبنا التي أعياها الجوع و القمع و الحرمان ، و أقعدها عن المطالبة بأية حقوق بسبب ما عانته من ظلم و استبداد أثناء المسيرة التاريخية.
لكن، المؤسف حقا، هو أن أبطال هذا الغزو المنظم أكثرهم من أبناء جلدتنا ، الذين باعوا ضمائرهم لقاء المال و الشهرة ، هم من يقومون بهذا الدور و هذه الخدمة المنظمة ، فنراهم ، بين الحين و الآخر ، يطلقون دعوات تدعو لاعتناق العلمانية الغربية ، و تارة إلى تغير قوانين الأسرة و الطفل تبعا للأنظمة و القوانين الغربية ، و تارة إلى التصالح الجذري و الانصهار في العولمة كخلاص من هذا الواقع المترهل، و تارة لتحرير المراة من مخالب الدين تحت شعار التخلف، و تارة بتغير مناهج الدراسة بما يتوافق مع العولمة العالمية ـ و تارة بربط أنظمة الاقتصاد العربية بمنظمة التجارة العالمية، هذا غير الدعوات السياسية المتمثلة بالمعاهدات و المؤتمرات و غيرها للتوقيع بالتنازل عن المزيد من أراضينا و ثرواتنا ..و غيرها

و كل هذا يتم بقيادات عربية من مستوى الأفراد إلى مستوى السلطات لتفسح الطريق لتلك المنظمات للمزيد من الاحتلال و الغزو و السيطرة على وجودنا كشعوب..
من يتصدى لظاهرة هذا الخطيب المنبري المنظم، من يوقف استغلاله لتلك الشعوب ؟ من يحذر وينبه و يحارب من خطره ؟ من يدافع عن تلك الشعوب و يقوم بتوعيتها نحو قضايا حاضرها و مستقبلها ؟ من يحمي مستقبل أبناءنا ؟
هل هناك من يلبي في هذا العالم المتناثرة منه الأحرف القوية كصوت لكن غافل عنه العمل..

أخاطبكم أيها المثقفون. فهل من ملبي لهذا النداء.. أم نكتفي بالتصفيق ..و نكتفي بأننا مثقفون برسم الحروف مع تجريدها من الفعل.
أعتقد بأن الخير ما زال في ربوعنا و سيبقى حتى يوم القيامة.. هذا ما أكده رسول الأمة الإسلامية محمد صلى الله عليه و سلم :
( الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة )

مع تحياتي
رنا خطيب

2/3/2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق