السبت، 5 مايو 2012

مقال: عندما يتعلق الأمر بالمسلمين ؟!!!!!!

مقال سياسي:

عندما يتعلق الأمر بالمسلمين   ؟!!!!!! ...

قنبلة إعلامية تفجرت على أرض فرنسا في مدينة تولوز تصدرت الصفحات الأولى في الإعلام و الفضائيات ، و أصبحت شغل تلك القنوات الشاغل  و هي تعرض  قضية الإرهابي محمد مراح من أصول إسلامية المتهم في تورطه في أحداث تولوز و منتوربان .
محمد مراح مواطن فرنسي من أصول جزائرية إسلامية ، و البالغ من العمر  24 سنة ، و هو مسجل في دوائر حكومة  فرنسا على انه مواطن فرنسي ، و كان بحسب شهادة أبيه  شديد التعلق بالقرآن و مواظب على الصلاة ، وعرف بانتمائه إلى الجماعة  الجهادية في أفغانستان و باكستان و هما التي   قام بزيارتهما حيث مربط معقل القاعدة و أعترف فيما بعد بأنه ينتمي لتنظيم القاعدة . اتهم من قبل سلطات الدولة الفرنسية بأنه وراء مقتل سبع أشخاص في الفترة ما بين 11-19 آذار 2012 .. ثلاثة أطفال يهوديين  و مدرس يهودي و ثلاثة عسكريين في تولوز و منتوربان ، فتم حصار بيته بتولوز  لمدة ثلاثين ساعة ، ثم قتل بنيران شرطة فرنسا قبل أن يتم اعتقاله و يحاكم كمتهم بهذه الجرائم . و بدأت السلطات الفرنسية تشرّع ما أقبلت عليه من تجاوز في حق القانون باعتبارها دولة القانون و حقوق الإنسان بأنه مسلم إرهابي و متطرف  و لا حاجة لمحاكمته  أصلا لأنه  قاتل في نظرهم ، بالإضافة إلى  ابتكار شهادات تدين سلوكه منذ سنوات ،  حيث أشار مدعي عام باريس فرنسوا مولان إلى : " أنّ محمد مراح كان من الجانحين الأحداث وقد أدين 15 مرة حين كان قاصرا، مشيرا إلى انه أبدى منذ الطفولة "شخصية عنيفة" و"سلوكا مضطربا" وقد طرد من الجيش الفرنسي، ثم جنح إلى الراديكالية في الأوساط السلفية "
مات محمد مراح و مات معه سره قبل أن يأخذ التحقيق مجراه . و قد تابعت السلطات الفرنسية إجراءات مكافحة الإرهاب بإصدار قرارا جديدا أخرا  من قبل سركوزي عن عزمه بمنع دخول  القرضاوي إلى فرنسا للمشاركة في المؤتمر الإسلامي الذي سينعقد في الشهر القادم بحجة أنه يمثل الإسلام الإرهابي الراديكالي ، و يعتبر هذا الإجراء بحسب ادعاء ساركوزي هو حظر للنشاط الإرهابي القادم من خارج فرنسا.. و المضحك في الموضوع أنّه إن كان هناك إرهابا يحدث على أرض فرنسا فهو غالبا من داخلها و من قبل مواطنيها ذوي الأصول المختلفة.
و قد أخذت هذه القضية أكثر من حجمها في الأوساط الإعلانية الغربية فهل لأن الأمر يتعلق بالمسلمين المقيمين في الغرب؟  ربما يفهم البعض بأن  خطوة تسريع قتل محمد مراح قبل محاكمته هي بمثابة دعاية ترويجية يمكن أن تلقى لها مؤيدين في انتخابات سركوزي المقبل عليها اقتداء  بخطوات الرئيس الأمريكي أوباما المدعي بأنه خلّص الأمريكان من أسطورة إرهاب رئيس القاعدة بن لادن الذي اخترعتها أصلا أمريكا لتبرر أعمالها اللإنسانية في شن الحروب على الدول و شعوبها  بحجة الإرهاب . و طبعا بالنسبة لعقول الكثير من الغرب قتل الإرهابيين يعد انجازا عظيما لشعوب الغرب ، و لا نلومهم كثيرا بسبب حجم الدعاية الإعلامية  في تلك الدول التي احتلت عقولهم حول عمل الإرهابيين ذوي الأصول الإسلامية و العربية أيضا.

لا شك في أن العمل الإرهابي وفقا لما صاغه الغرب بمفاهيمهم و أيدلوجياتهم هو عمل مرفوض من قبل كل الأديان و الأمم و الشعوب . لكن كشعوب اعتادت أن تدفع ثمن الإرهاب من دمائها تعرف أن الإرهاب ليس مصدره المسلمين المتطرفين فقط ، بل يمكن أن يكون مصدره من جنسيات و ديانات أخرى .  فلو عدنا بذاكرتنا إلى عام 2009 يذكرنا هذا التاريخ بشهيدة الحجاب مروة الشربيني – المواطنة الألمانية ذات الأصول المصرية ، و التي تم قتلها طعنا وحشيا – 16 طعنة- مع طعن زوجها لكن استطاع زوجها أن ينجو و ماتت هي ، و ذلك على يد متطرف ألماني أليكس  ذوي الأصول الروسية  بسبب دفاعها عن حجابها ، و كانت قد تقدمت إلى المحكمة بشكوى في البداية عندما سبّها  . و طبعا لم تحشد الحكومة الألمانية جهودها في إحلال العدل في هذه القضية ، بل أكتفت بتحميل المجرم تهمة القتل العمد بعد اعترافه بهذه الجريمة ،  و لم تعترف بوجود تقصير أمني من جانب الحكومة الألمانية .
كذلك ، على سبيل الذكر ، مجزرة  قندهار التي نفذها  الجندي الأمريكي روبرت بيلز في آذار/مارس 2012 ، أسفرت عن مقتل 16 مدنيا أفغانيا من بينهم سبعة أطفال و ثلاث نساء. و رغم اعترافه بهذا و هو أمام اتهام بـستة عشر جريمة قتل إلا أن المحامي المدافع عنه يؤكد بأنه لا يوجد أدلة كافية لإدانته . و كغيرها من القضايا المتعلقة بالمسلمين عندما يكون الاعتداء صريحا من قبل متطرفي الغرب يتم تمييع الموقف و اللعب على حدود الحقيقة لتبرير مواقفهم فيما يفعلونه ، بينما عندما يتعلق الأمر بالمسلمين يتم تضخيم الحقيقية ، و حشد كل الجهود الإعلامية ، و تعبئة الرأي العام بسموم إعلامهم لرصد سلوك فرد أو أفراد من أصول إسلامية أو عربية بتهمة الإرهاب .
و تستمر سلسلة من الاعتداءات الصريحة على وجودنا  كمسلمين ، تحت شعار محاربة التطرف الإسلامي و الإرهاب المزعوم ، ترتكبها دول الديمقراطية و حقوق  الإنسان ، و لا توجد ردة فعل مسؤولة من دعاة الدين الإسلامي أولا و المسلمين ثانية لتتصدى لهذه الاعتداءات .
من نوكل إليهم قضية الدفاع عن وجودنا كمسلمين و كعرب في تلك الدول يعانون من تمييز واضح في دول الغرب رغم أنهم مواطنين لتلك الدول ، و يفترض على دول القانون و حقوق الإنسان التي يتشدق بها أن يتمتع المواطن عندهم مهما كانت جنسيته و دينه تحت مظلة المواطنة بحقوقه الكاملة ، و أن  لا يكون هناك تمييزا على أساس الجنسية أو الأصول أو الدين أو المذهب.. فللأسف ، و في فرنسا بالذات ، يعانوا هؤلاء المسلمين ذوي الأصول العربية و الإسلامية من تهميش واضح يجعلهم في حدود الدنيا من المجتمع الفرنسي..
فتعليمهم من الدرجة الثانية  و الثالثة ، و أعمالهم هي للخدمة و السخرة ،  و بعض الأعمال التي يتعفف مواطني فرنسا من القيام بها ، باستثناء بعض الحالات إن كان في درجة علمية عالية فهنا تحشد لهم الحكومة كامل الإغراءات لكي تحلب عقلهم و فكرهم لخدمة بلادهم.
بالإضافة إلى فراغ هؤلاء الشباب  العقائدي و الثقافي ..فهم ليسوا مواطنين فرنسيين يتمتعون بحقوقهم الكاملة ، و بنفس الوقت ، هم عرب و ربما مسلمين لكن لا يعرفون عن بلادهم شيئا كونهم لم ينشأوا على تلك الأراضي ،  أو أنهم هاجروا منذ الطفولة فبذلك ابتعدوا عن منابع المفاهيم و التقاليد العربية و الإسلامية . فوقعوا في براثن  الفراغ النفسي و الضياع الذي يجعل تلك المجموعات المتطرفة الإرهابية التي لا دين لها تنفذ و تتسلل  إلى عقولهم و تجندهم لخدمة إرهابهم في العالم .

دعاة الدين الإسلامي تقع على عاتقهم اليوم  مسؤوليات كبيرة أمام قضايا الإسلام سواء كانت داخل الدول الإسلامية أو في الدول التي يعيش فيها المسلمين.. فهم معنيون  بمد جسور الحوار بين الغرب و المسلمين عن طريق إقامة  مؤتمرات  و إطلاق حوار يعرّف بالإسلام و منهجه الصحيح و يؤكد على وحدة التعايش و ضمان حقوق  العالم تحت ظل هذه الشريعة الغراء.. هم معنيون بإيجاد مراكز في تلك الدول تنشر ثقافة الإسلام الحقيقي ،  و برصد الأموال لدعم هذه المراكز ، و تنشيط حركة الترجمة لترجمة كتب الإسلام صحيحة المنبع ليقرأ الغرب عن عظمة هذا الدين الذي  أسس لمنظومة حقوقية كاملة تضمن حقوق جميع البشر في الأرض و ليس العالم الإسلامي فقط في تطبيق   الديمقراطية و العدالة و المساواة بينهم . و كذلك ليقرأ المسلمين المقيمين في الغرب عن حقيقة الدين الإسلامي لعلهم يتقربون من المنهج الصحيح فيتبعونه و يبتعدون فيه عن مستغلي هذا الدين لتنظيمهم في خدمة الإرهاب اللإنساني . و كذلك على المسلمين واجبا كبيرا اتجاه دينهم يتمثل أولا و أخيرا في سلوكهم الذي أصبح شاذا عن منهج الإسلام و أصبح يسير على هواهم . فأساءوا إلى دين الله و إلى أنفسهم حتى لم يعد  يعتبرنا الغرب إلا جماعة إرهابية و مصاصة دماء ، و معتدين  على النساء و على حقوقهن ، و فكرهم متطرف معوج يشذ عن المسار الطبيعي.
لكن للأسف الكثير من دعاة هذا الدين  منشغلون في الحج و إقامة طقوسهم  حول كرسي الحاكم و حماية عرشه من السقوط ، و إن اجتهدوا فيجتهدون بما يمليه عليهم شريعة هذا الحاكم و ليس شرع الله ، أو إن كانون بعيدين عن سلطان الكرسي هم صامتين عن الانتهاكات بحق هذه الشريعة و قد يكتفون بالتنديد و الشجب ، أو أنهم إحدى  تلك الجماعات المتطرفة التي تشجع على القتل و إشاعة الفتنة حتى داخل بلادهم الإسلامية و العربية ..
للأسف ، إن الاعتداء على الهوية الإسلامية و العربية و وجودهما أصبح أمرا سهل تنفيذه من قبل الغرب المتشدق بالحريات و حقوق الإنسان لأننا صمتنا على هذا الاعتداء طويلا  و لم نتصدى له كما يحب ، و كذلك  سهلا أيضا على بني جلدتنا من تقبله ، و عدم وجود أي ردة فعل تعرّف هذا الغرب بأن المسلمين و العرب امة لها حضارتها و وزنها من بين الأمم ، و أن قيمها الدينية و الإنسانية موجودة بوجود أبناءها المقاومين لمن يريد أن يجتث جذور وجودهم على خريطة العالم .
فهل يبشر ربيعنا العربي و نحن نعيش لهيبه المتصاعد نتيجة نهوضه ضد قوى الطغيان و الاستبداد داخل وطنه ليمتد هذا اللهيب و يشمل العالم الذي يعتدي بجبروت و طغيا على وجودنا و معتقداتنا  و يسخر مننا كأمة كان لها فضلا في الماضي في إنقاذهم من جهلهم الأسود في عصور الظلام لأوربا ،و نقلهم إلى مصافي الدول المتقدمة ، كما كان لهم الفضل في إنقاذ حضارة اليونان و تراثها من الهلاك عندما اقبل القائمين على حضارات الأمة الإسلامية في زمن العصرين الأموي و العباسي  على نقل معارفهم و كتبهم إلى اللغة العربية بوسيلة الترجمة .
الأمة المحترمة  تفرض احترامها على الأخر عندما يرانا الأخر نتمسك بوجودنا و ندافع عنه و نعتز بهويتنا و نبني أوطاننا من زادنا المحلي و تواصلنا مع الأخر فيما يخدم قضية وجودنا في الحياة ، لكن عندما تصمت هذه الأمة على الاعتداءات المستمرة سواء على أرضها أو ثرواتها أو على عقيدتها أو على حقوقها سيعطي تلك الأمم المبررات للاستمرار في سياستها لأننا في نظرهم أمة لا تستحق الاحترام و العيش كباقي الأمم المدافعة عن وجودها كأمة و شعب.
رنـا خطيب
31/3/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق