السبت، 5 مايو 2012

مقال: هموم الكتابة

مقال ثقافي:


هموم الكتابة
كبرت الكتابة مع تقدم الزمان ، و مع توفر وسائل الكتابة الميسرة و المتاحة أمام كل من يريد أن يدخل عالمها، فتوسعت مساحتها و فتحت أبوابها و تشعبت طرقاتها و كثر روادها حتى أصبحت تضيق بذاتها تكاد أن تختنق.
فلم تعد ذاتها تقوى على تحمل المزيد من الاعتداء على ثوابتها و حقوقها و شرفها المهني ، و تشويه جمال حضورها و التشكيك في أمانتها، و انتزاع جذور المعرفة من بساتين الإبداع عندها .فكبر همها , و تكسرت أجنحتها التي كانت ترفرف في سماء إبداع الكاتب فقعدت عن التحليق في تلك السماء.
وهنا لا نلقي بالمسؤولية التي وصلت إليها الكتابة على ذاتها ، بل على الكاتب الذي أتخذ من الكتابة وسيلة ليصنع وجوده  من خلال بناء أهرامات ضخمة من الكلمات و معانيها تشير إلى بناءه سواء كانت تستحق الإشادة أم الذم.
قديما كان هذا البناء مبنيا على قاعدة ثابتة ، و متينة تتلخص في أصول ومبادئ و أسس الكتابة الواعية و الهادفة و البناءة ، و في الالتزام الواعي تجاه صناعة الكتابة و قدر من المسؤولية تدفع الكاتب إلى توخي الأمانة في هذه الصنعة و الإتقان في رسم خطوطها بدون إي اعوجاج ، و في البحث المضني و العميق للوصول إلى حقيقة المعلومة ، و في ممارسة حرية التعبير عن الأفكار ضمن قوالب شرعية تضمن مسار هذه الحقيقة من الانحراف..لذلك أخرجت الكتابة من رحمها روادا و أعلاما خلّد التاريخ أسماءهم و ما زال إنتاجهم الكتابي يُقرا و تستنبط منه المعارف و جواهر الأدب و نفيس العلم إلى يومنا هذا .
كان الكاتب يعاني مشقة البحث سواء في معقل الفكر أو المعلومة أو الحقيقة ، و يقطع البلاد و يجوب البحار بحثا عن كلأ يغذي بها روح الكتابة ، وكان سعيه الدءوب لا يعرف الكلل و لا الملل و لا اليأس و لا الإحباط بل همته تزداد إصرارا و عزما لتحقيق أهدافه في الكتابة ، و كان ضميره المستيقظ يعي مهماته و مسؤولياته تجاه أمانة و شرف القلم فلا تفسده المغريات المادية و لا تاج الشهرة .
لكن الأمور اختلفت كثيرا الآن ،و خصوصا بعد تفجر ينبوع التكنولوجية بأنهارها المعرفية و وسائلها الاتصالية التي ربطت العالم بشبكة واحدة و جعلت من مساحاته الشاسعة قرية صغيرة تختصر قواعد الزمان و المكان و الكثير من القيم و المبادئ.. لقد ازدادت هموم الكتابة تعقدا بعد توفر وسائل الكتابة الحديثة ، و تحول المستحيل إلى ممكن بامتلاك أي إنسان المساحة الحرة للكتابة ضمن مجالات أوسع فأدى هذا إلى اختلاط الحابل بالنابل فضاعت حقيقة الكتابة بين كاتب يكتب ليحفر بصمة حقيقية في عالم الكتابة و بين كاتب يخربش و يهذي و يفسد ليخرب معالم الكتابة و يبدد حقوقها.
وما أكثرهم من كتاب و ما أكثر عبثهم و تفريطهم بحقوق الكتابة الراقية التي تسمو بروح الإنسان نحو العلى سواء كانوا قاصدين بالعبث أم غير قاصدين .و هنا نختم سائلين: -ما هي المشكلات و التحديات التي تتعرض لها الكتابة في الوقت الحالي؟
و ما هي الأسباب التي أدت إلى ضياع هوية الكاتب الحقيقي؟
لماذا فقدت الكتابة بشكل عام تأثيرها الفعّال على ردود أفعال الإنسان و لم تعد تترك أثرا يحرك ثورة الإنسان تجاه أحداث الحياة كمان كانت تفعل سابقا؟
رنا خطيب
17/9/2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق