مقال سياسي:
28/4/2012
لا يختلف عاقل على أن ما يحدث للشعب السوري اليوم على أرض سورية يلخص بجملة و هي : أنه يآن ما بين مطرقة قوة الحكم الداخلي الذي لا يرحم ، و سندان مصالح القوى الخارجية المهتمة في مصالحها فقط..
الثورة بكل أشكالها هي حركة رامية إلى التغيير .
يشهد التاريخ الإنساني عبر مراحله ثورات متعددة الأشكال و الأهداف ، لم تكن معظمها نتيجة الانفعال ، بل كان لها أسباب تراكمية تاريخية كان من أهمها مظاهر الظلم و الاستبداد و الحرمان و التي دفعت بالثائرين للتمرد على أسباب هذه المظاهر لتغييرها أو تعديلها أو استبدالها بعناوين أكثر إنسانية تتيح للإنسان أن يعيش إنسانيته بحقوقها المشروعة على الأرض . و نتيجة لهذه الحركة المناهضة لعوامل الظلم و الاستبداد كانت هناك النتائج التي انقسمت إلى قسمين: نتائج أسفرت عن بعض مكاسب حققتها أهداف الثورة ، و نتائج سلبية أدت إلى ثورات مضادة مدعومة بجهات لها مصلحة بإجهاض أهداف الثورة فأسفرت عن خسائر فادحة على كافة الأصعدة.و هذا ما حصل لثورات الربيع العربي 2011 .
و لقد شاءت الأقدار أن يمر هذا الربيع العربي المزعوم 2011 بمراحل فصلية مأسوية في بعض البلاد و كان أكثرالبلاد إيلاما هي سورية ، فبدأ الربيع انطلاقته في آذار2011، و كانت شرارة الربيع في سورية خارجية بامتياز استطاعت أن تتواصل مع من له مصلحة في الداخل لإسقاط نظام الأسد، منها أسباب داخلية كأي شعب عربي عان ما عانه من استبداد و ظلم و حرمان من موارد بلاده ، و عدم ممارسة حرية التعبير و الرأي و العمل السياسي المتعدد ، و منها لأسباب خارجية أيضا كونها تشكل سورية حلف الممانعة و المعادي لإسرائيل بتوحدها مع إيران و فصائل المقاومات و مخالفتها لمحور الاعتدال الذي شكل يدا لضرب العمق العربي بأوامر من أمريكا و هم السعودية و دول الخليج . و دخل الربيع مرحلة فصول الصيف و الشتاء ، و ها هو يدخل ربيعا أخرا و لم يفرز هذا الربيع أي نتائج ترضي الشعب الغاضب و الثائر.. بل تعقدت أموره و ازدادت خسائره و لم يستطيع أن تكسب قضيته التأييد العالمي ، بينما أنظمة عربية أخرى لم يتحمل رأس النظام أسابيع فسقط الرأس و بقي الجسد كاملا يتوالد ، و دخلت البلاد في مفارق من الفوضى عارمة تتوالد مع كل خطوة نحو ترسيخ مبادئ الثورة الحديثة كما هو حال تونس و مصر و ليبيا .
و هنا يحق لنا أن نتساءل ما سبب تأرجح الأزمة السورية اليوم في مكانها رغم كل الخسائر البشرية و المالية ؟؟
و من يتحمل أسباب تأرجح هذه الأزمة في مكانها ، و الكل يعترف بالمنحى الخطير الذي تتجه إليه أحداث سورية سواء شعبا أو قيادة أو عربيا أو خارجيا؟
المشاهد و المتابع لأحداث سورية الدامية اليوم يلاحظ بأن هناك معركة دولية و عربية و إقليمية متشعبة المصالح تدار على أرض سورية ، و الأداة التي تستخدمها هذه القوى لإدارة هذه المصالح هي دماء الشعب السوري.
فمن جهة تصّر القيادة السورية على التمسك بالسلطة رغم تصاعد أصوات متنوعة تتراوح ما بين تأيدهم للإصلاح بقيادة السلطة و ما بين إسقاط السلطة لأنها لم تعد تحاكي اليوم تطلعات المرحلة الجديدة لحكم الشعوب ، و تضطر السلطة تحت تحرك القوى الشعبية السورية المناهضة لحكم الأسد سواء كان شعبا أم جندا مسلحا بأن تدافع عن وجودها باستخدام العنف و الإصرار على أن الحسم العسكري لشعب سورية هو الحل و أن هذه السلطة لم تعي بعد أن قطرات الدماء لا يمكن أن تبرد إن لم يعاقب من تسبب في هدرها ، و استمرت في هذه السياسة إلى أن تضاعف عدد الخارجين ضد النظام رغم كل ما يتعرض له من قتل و اعتقال و حرمان و فقر .
و من جهة أخرى ، تصر القوى السورية المعارضة الخارجية اللاهثة على الحكم في سورية إلى أن تتبع أسلوب التحريض و التواصل مع التنسيقيات السورية ، و التي أصبحت القرية الواحدة في سورية تملك عدة تنسقيات أكثرهم لا يعرفون بعضهم ، بالإضافة إلى التواصل مع الجيش الحر الذي ينضم له ليس فقط منشقين بل أفرادا من الدول العربية يتم تدريبهم و تسليحهم كما حصل في ليبيا مع متمردينها .
و هنا يحق لنا أن نسال نحن الشعب هذا الجيش الحر الذي يتبع أسلوب القتل كما يقتل الجيش النظامي لماذا يتم تغطية أعماله و اعتبارها نصرا بينما قتل الجيش النظامي يعتبر اعتداءا .. و هما في نظر الحق كلاهما خاطئا ؟
من يدعمه و يزوده بالسلاح و العتاد و الأفراد؟
هل سال الشعب السوري الغاضب من يدير هذا الجيش و ما هي أهداف إدارته و ما هي تطلعاته لو سقط الحكم؟
ألا يعرف الشعب السوري الذكي بأن أي جهة يتم تمويلها يجب أن تكون جندا وفيا لتلك الدولة التي تقوم بتمويله!!..فمن هي تلك الدول التي تغذي هذا الجيش ضد سورية؟!!
و كيف يقبل الشعب الغاضب بأفراد يتم تدريبهم و تسليحهم في الخارج و إرسالهم للانضمام إلى صفوف الجيش السوري ، بل و ينصرونهم ثم ينتقدون انضمام أفرادا من إيران إلى الجيش النظامي؟؟ أليس معالجة شؤوننا الداخلية هي شأن يخصنا نحن السوريون بالدرجة الأولى ؟
بالإضافة إلى عربان الخليج و السعودية و الذين لم يكن لهم في يوم من الأيام دورا مشرفا في قضايا العرب.. اليوم يقتحمون الجامعة العربية و ينفردون في إدارة الأزمات العربية و هم بامتياز جنود أوفياء للمخطط الصهيوني الأمريكي ..و تصر قطر على أن تكون هي الرائدة في هذا الميدان من خلال إعلامها الكاذب و أموالها و دعمها لكل مظاهر التسلح و قيادة الفتنة داخل الأرض السورية.
اليوم تخاف السعودية و الخليج على زلزلة عروشها لو استمر التحالف الإيراني و السوري و المقاومات على نفس المنهج..لذلك تصطنع أسماء لحروب تجيش فيها الشعوب إعلاميا تحت مسمى الصراع الديني ما بين سني و شيعي لتحرك المسلمين ضد بعضهم و هنا نتساءل بحرقة : متى كان ملوك السعودية و الخليج يهمهم دين الله إلا إن كان في حوزة سيطرتهم؟ . و طبعا لا ننسى أمريكا رأس الديكتاتورية الرأسمالية العالمية تلعب على كل الأوراق لبقاء سيطرتها فتدعم السنة تارة و تبيعهم صفقات السلاح بالمليارات كما فعلت مع صفقة السلاح و الطائرات التي باعتها هذه السنة للسعودية و الخليج للتجهيز ضد حرب مرتقبة على إيران ، و بنفس الوقت تتآمر مع إيران تحت الستار لتزيد نفوذها في المنطقة، و قد تكشف هذا جليا في العراق ، بالإضافة إلى عجزها عن إيقاف إيران لإنتاج السلاح النووي رغم استطاعتها ..و من مصلحة أمريكا أن تبقى الدول و الشعوب في حالة فوضى لأن ، في ذلك مصالح جمة لها.
وأمّا روسيا فهذه الدولة لا تحترم حقوق شعبها حتى تحترم حقوق الشعوب الأخرى.. فسياسة القمع و الاستبداد يعاني منها الشعب الروسي منذ زمن و لم تتغير نهج السياسة الروسية حتى اليوم. روسيا تدير مصالحها اليوم على مسرح سورية الدامي بعد أن فقدت مصالحها في صفقة ليبيا تحت مسمى الربيع العربي.. فهي لا يهمها لا شعب و لا حتى قيادة لكن سورية بالنسبة لها مسمارا يثبت وجودها و مصالحها أمام القوى العالمية المتصارعة لأخذ البادرة في من سيرسم و يدير ملامح الخارطة الجديدة للعالم ، و ليس الشرق الأوسط فحسب. غير سياسة الحلب الروسية المتبعة في سورية من تصدير السلاح و الطائرات بنسبة بلغت أوجها في هذه الأزمة ، غير حمايتها لقاعدتها البحرية الموجودة في مدينة طرطوس و التي تعتبر بعدا استراتيجيا في منطقة البحر المتوسط يحقق لها مصالح كبيرة ، و أهم من ذلك هي سعيها لتشكل تحديا يكسر شوكة و هيمنة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ..و كذلك بالنسبة للصين الذي تعتبر سورية مركزا استراتجيا ناجحا للاقتصاد الصيني ، بالإضافة إلى اتفاقها مع الهدف الروسي و هو كسر شوكة الولايات المتحدة الأمريكية اليوم في العالم ، و تفتيت سياسة القطب الواحد الذي كانت تحكم به الدولة الرأسمالية مثل أمريكا.
و أما إيران لا ننكر بأن اختيار هذا الحليف منذ سنوات كان موفقا بالنسبة للسياسة السورية بسبب تناغم المصالح مع بعضها ، و عدم تشرذمها و تشتتها كما حصل مع الحليف التركي ..لكن لا نستطيع أن ننكر بأن إيران الساعية لإعادة أمجاد الدولة الفارسية تسعى إلى تمكين وجودها في خارطة العالم عسكريا و نوويا و عقائديا أيضا لذا لا يمكن أن نفصل سورية عن أهدافها التوسعية ، فإيران و العراق و نصف لبنان أصبحوا شبه تابعين للدولة الإيرانية ، و كذلك تسعى مع سورية و الخليج العربي التي ترفض أن تسميه بالعربي بل هو فارسي بنظرها. لذلك لا استبعد أن يتم جر حرب واقعة على إيران إلى أرض سورية بسبب إغراق سورية اليوم بكل العطايا الإيرانية لحماية السلطة السورية .
و طبعا لا يمكننا أن ننسى الدور التركي الذي جعل من أرضه مكانا لولادة المجلس الانتقالي السوري بالتعاون مع الغرب و رعايته و توفير الأراضي لتدريب المسلحين بعد أن أغروه الغرب بأن يكون دورا فاعلا في إسقاط النظام السوري لتكون له حصة أيضا في ملامح الخارطة السياسية الجديدة . و كانت مواقف الدور التركي في خطوات دعمه للشعب السوري تتأرجح ، فتارة يهدد أردوغان القيادة السورية بلهجة غاضبة و تارة يقطع مصالحه ، و تارة أخرى يخمد صوته و يرفض التدخل الأجنبي.. و كل هذا يقع تحت إيقاع المصالح و تأثرها بعناصر القوة بين الطرفين.
و ما بقي من مكونات الجرح الشعبي السوري النازف هو مسرح لممارسة الرقص على جثث هذا الشعب .. فالبعض يتظاهر برغبته في تدويل الأزمة ، و الأخر يعارض و الأخر يبذل جهداـ و في النهاية يصفق الجميع لصالح النظام السوري ..و ما شهدناه البارحة في مجلس الأمن ما بين انفعال مندوبة الولايات المتحدة المفتعل ، و كذلك ردود فعل مندوبي الدول الأخرى ، و إصرار روسيا و الصين على عدم تدويل الأزمة من خلال التصويت للمرة الثانية ضد قرار الأمم المتحدة ، ثم تصدر المندوب السوري الساحة بكلمة تهدئة إلى الشعب بأن سورية دولة ذات سيادة و أنه لن يكون هناك تدخلا عسكريا ..كل هذه المشاهد على مسرح مجلس الأمن تؤكد بأن العالم كله يدعم بشكل مباشر و غير مباشر القيادة السورية..إذا يا شعبي ماذا تنتظرون ؟؟
هذه الدماء تروح سدى لأن وجهة سعيكم بالأصل يشوبها الكثير من الأخطاء..
لقد استطاع القاصي و الداني أن يعتلي سلمية ثورتكم التي كانت تتشرف بها ثورات العالم ، و أن يتكلم و يأخذ الدور عنكم : تارة بمجلس اسطنبول الانتقالي الذي لم نراه من طيلة فترة وجوده غير الصراخ المنكر لا يفيد لا شعب و لا قيادة ، و كذلك الجامعة العربية و دول الخليج و مجلس الأمن و الولايات المتحدة الأمريكية الذين يعولون جميعهم على الموقف الروسي و الصيني ، و كذلك التنسيقيات السورية التي تختبأ خلف شاشات الكمبيوتر و التلفاز لا نعرف كم تنسيقة أصبحوا و غير أسلوبهم الذي يسقطهم أمام الله و يسقط حقوقكم كونهم لا يقولون الحقيقة.. و الإعلام العربي و المحلي المسيس لمن يديره و الذي يفتعل الكذب أيضا ، و تارة بالجيش الحر الذي لا تعرفون حقا من هم أفراده و من يمولهم و ما هي الأجندة التي يملكها للتنفيذ .
و لعلي أذكركم جميعا بأن الكذب كان هو السيد المسيطر في أعمال أكثر هذه القوى سواء من النظام أو قنواته المحلية التي تعرض صورة جميلة عن واقع مأسوي، أو الإعلام العربي و الغربي الذي يفبرك و يعرض أكاذيب أو المواقف الظاهرية لدول تدعي وقوفها مع إرادة الشعب السوري و هي فقط تراقب خط مصالحها إلى أين يسير و مع أي قوى؟ ... فمثال صغير أضربه البارحة المجزرة التي حصلت في حمص 4/2/2012..صوروا لنا جثثا عارية عددها لا يتجاوز العشرة و كنت أتساءل هل يجوز للمسلمين أن يعرضوا عورات الميت بهذه الطريقة المهينة؟؟أين أخلاق الإسلام؟؟ ثم قالت الجزيرة في البداية عدد القتلى 260 ثم وجدتها في الفيس بوك 500 ثم في نفس المساء تكلموا مع المعارضة قالوا بلغت 100 ثم اليوم التالي قالوا أكثر من 300 ثم يعلن النظام براءته من هذا التفجير... هذا مثال بسيط تصدعت به رؤوسنا من كثرة الكذب من كل الأطراف..فمن نصدق و من نكذب و أين تكمن الحقيقة؟ّّ!!
لتعلموا بأن إيقاعات الربيع العربي ليست واحدة في الوطن العربي .. و هناك من خلف الإيقاع من يضبطها ، و دائما تحسم المعركة لصالح القوي ، ولعل أكثر الأقوياء انتصارا هم من تمسكوا بالعروة الوثقى ، و جعلوا الله حليفهم ، و لم يتخذوا من وسائل الشيطان ملاذا لتنفيذ مصالحهم. أولئك سينصرهم الله حتى لو كانوا عددهم قليلا.لكن في يوما هذا أين هم؟؟! . و حتى لو كنتم أصحاب قضية و حقوق ، و أتبعتم أساليب التضليل لإسقاط نظام ، برأيكم ضال ، فلن ينفعكم و سيحسم الأمر لصالح القوي في الساحة..
فاحقنوا دماءكم الغالية على قلوبنا ، و حافظوا على سلمية ثورتكم ، و لا تسمحوا للأصوات الخارجية النكراء بالتدخل في شؤونكم و ضعوا مصلحة الوطن أمامكم " و أدخلوا في السلم كافة " هذا كان كلام الله و ليس كلام العباد ، فإننا بغير هذا مقبلون على انفجار محلي دولي عالمي سيحرقنا جميعا ..
دعوا الظالم لله فهو تكفل بخزيه في الدنيا و حرقه في الآخرة ، و لنبدأ في خطوات البناء بحسب إمكانياتنا ، و خصوصا بعد أن جوّعنا العرب و الغرب بعقوباتهم و أعادوننا إلى مرحلة الثمانينات و لا أعرف من يعاقبون حقا؟!!! ..هل يعاقبون أصحاب السلطة التي تملك المال و السلطان و التي لم تتأثر بهذه العقوبات ؟ أم هذا الشعب الذي ذبح من فقدان الأمن و موارده و حظره من العمل و التعليم من الدول العربية قبل الغربية؟؟
الوطن اليوم يحتاجنا أكثر من أي وقت فات ..يحتاج إلى صدقنا ، و إلى عزيمتنا و إرادتنا من أن ننفض عنا غبار عمليات الهدم التي سعينا لها سواء إراديا أو غير إرادي تحت غطاء شعار الربيع العربي ، يحتاج إلى سواعدنا الخضراء لزراعة الأرض و صناعة المنتج المحلي ..يحتاج إلى توحيد صفوفنا و معالجة جرحنا الداخلي بأدواتنا المحلية ، يحتاج إلى تنظيف نفوسنا مما علق فيها من غبار الفساد القديم ، فما زالت شعوبنا تتعامل مع مظاهر الفساد على انه واقع رغم كل هذه الدماء التي قدمت . فلنبدأ بمعالجة الفساد من نفوسنا ثم نتصدى لحالات الفساد في الوطن.
احقنوا دمائكم أيها الشعب السوري العظيم فإن هدرها يسعد الكثير من الأطراف المتآمرة عليكم محليا و عربيا و دوليا و لن يوصلكم إلى حل يرضيكم ..
رنا خطيب
أيها الشعب السوري العظيم لا تجعلوا من دمائكم جسرا لعبور مصالح الآخرين
28/4/2012
لا يختلف عاقل على أن ما يحدث للشعب السوري اليوم على أرض سورية يلخص بجملة و هي : أنه يآن ما بين مطرقة قوة الحكم الداخلي الذي لا يرحم ، و سندان مصالح القوى الخارجية المهتمة في مصالحها فقط..
الثورة بكل أشكالها هي حركة رامية إلى التغيير .
يشهد التاريخ الإنساني عبر مراحله ثورات متعددة الأشكال و الأهداف ، لم تكن معظمها نتيجة الانفعال ، بل كان لها أسباب تراكمية تاريخية كان من أهمها مظاهر الظلم و الاستبداد و الحرمان و التي دفعت بالثائرين للتمرد على أسباب هذه المظاهر لتغييرها أو تعديلها أو استبدالها بعناوين أكثر إنسانية تتيح للإنسان أن يعيش إنسانيته بحقوقها المشروعة على الأرض . و نتيجة لهذه الحركة المناهضة لعوامل الظلم و الاستبداد كانت هناك النتائج التي انقسمت إلى قسمين: نتائج أسفرت عن بعض مكاسب حققتها أهداف الثورة ، و نتائج سلبية أدت إلى ثورات مضادة مدعومة بجهات لها مصلحة بإجهاض أهداف الثورة فأسفرت عن خسائر فادحة على كافة الأصعدة.و هذا ما حصل لثورات الربيع العربي 2011 .
و لقد شاءت الأقدار أن يمر هذا الربيع العربي المزعوم 2011 بمراحل فصلية مأسوية في بعض البلاد و كان أكثرالبلاد إيلاما هي سورية ، فبدأ الربيع انطلاقته في آذار2011، و كانت شرارة الربيع في سورية خارجية بامتياز استطاعت أن تتواصل مع من له مصلحة في الداخل لإسقاط نظام الأسد، منها أسباب داخلية كأي شعب عربي عان ما عانه من استبداد و ظلم و حرمان من موارد بلاده ، و عدم ممارسة حرية التعبير و الرأي و العمل السياسي المتعدد ، و منها لأسباب خارجية أيضا كونها تشكل سورية حلف الممانعة و المعادي لإسرائيل بتوحدها مع إيران و فصائل المقاومات و مخالفتها لمحور الاعتدال الذي شكل يدا لضرب العمق العربي بأوامر من أمريكا و هم السعودية و دول الخليج . و دخل الربيع مرحلة فصول الصيف و الشتاء ، و ها هو يدخل ربيعا أخرا و لم يفرز هذا الربيع أي نتائج ترضي الشعب الغاضب و الثائر.. بل تعقدت أموره و ازدادت خسائره و لم يستطيع أن تكسب قضيته التأييد العالمي ، بينما أنظمة عربية أخرى لم يتحمل رأس النظام أسابيع فسقط الرأس و بقي الجسد كاملا يتوالد ، و دخلت البلاد في مفارق من الفوضى عارمة تتوالد مع كل خطوة نحو ترسيخ مبادئ الثورة الحديثة كما هو حال تونس و مصر و ليبيا .
و هنا يحق لنا أن نتساءل ما سبب تأرجح الأزمة السورية اليوم في مكانها رغم كل الخسائر البشرية و المالية ؟؟
و من يتحمل أسباب تأرجح هذه الأزمة في مكانها ، و الكل يعترف بالمنحى الخطير الذي تتجه إليه أحداث سورية سواء شعبا أو قيادة أو عربيا أو خارجيا؟
المشاهد و المتابع لأحداث سورية الدامية اليوم يلاحظ بأن هناك معركة دولية و عربية و إقليمية متشعبة المصالح تدار على أرض سورية ، و الأداة التي تستخدمها هذه القوى لإدارة هذه المصالح هي دماء الشعب السوري.
فمن جهة تصّر القيادة السورية على التمسك بالسلطة رغم تصاعد أصوات متنوعة تتراوح ما بين تأيدهم للإصلاح بقيادة السلطة و ما بين إسقاط السلطة لأنها لم تعد تحاكي اليوم تطلعات المرحلة الجديدة لحكم الشعوب ، و تضطر السلطة تحت تحرك القوى الشعبية السورية المناهضة لحكم الأسد سواء كان شعبا أم جندا مسلحا بأن تدافع عن وجودها باستخدام العنف و الإصرار على أن الحسم العسكري لشعب سورية هو الحل و أن هذه السلطة لم تعي بعد أن قطرات الدماء لا يمكن أن تبرد إن لم يعاقب من تسبب في هدرها ، و استمرت في هذه السياسة إلى أن تضاعف عدد الخارجين ضد النظام رغم كل ما يتعرض له من قتل و اعتقال و حرمان و فقر .
و من جهة أخرى ، تصر القوى السورية المعارضة الخارجية اللاهثة على الحكم في سورية إلى أن تتبع أسلوب التحريض و التواصل مع التنسيقيات السورية ، و التي أصبحت القرية الواحدة في سورية تملك عدة تنسقيات أكثرهم لا يعرفون بعضهم ، بالإضافة إلى التواصل مع الجيش الحر الذي ينضم له ليس فقط منشقين بل أفرادا من الدول العربية يتم تدريبهم و تسليحهم كما حصل في ليبيا مع متمردينها .
و هنا يحق لنا أن نسال نحن الشعب هذا الجيش الحر الذي يتبع أسلوب القتل كما يقتل الجيش النظامي لماذا يتم تغطية أعماله و اعتبارها نصرا بينما قتل الجيش النظامي يعتبر اعتداءا .. و هما في نظر الحق كلاهما خاطئا ؟
من يدعمه و يزوده بالسلاح و العتاد و الأفراد؟
هل سال الشعب السوري الغاضب من يدير هذا الجيش و ما هي أهداف إدارته و ما هي تطلعاته لو سقط الحكم؟
ألا يعرف الشعب السوري الذكي بأن أي جهة يتم تمويلها يجب أن تكون جندا وفيا لتلك الدولة التي تقوم بتمويله!!..فمن هي تلك الدول التي تغذي هذا الجيش ضد سورية؟!!
و كيف يقبل الشعب الغاضب بأفراد يتم تدريبهم و تسليحهم في الخارج و إرسالهم للانضمام إلى صفوف الجيش السوري ، بل و ينصرونهم ثم ينتقدون انضمام أفرادا من إيران إلى الجيش النظامي؟؟ أليس معالجة شؤوننا الداخلية هي شأن يخصنا نحن السوريون بالدرجة الأولى ؟
بالإضافة إلى عربان الخليج و السعودية و الذين لم يكن لهم في يوم من الأيام دورا مشرفا في قضايا العرب.. اليوم يقتحمون الجامعة العربية و ينفردون في إدارة الأزمات العربية و هم بامتياز جنود أوفياء للمخطط الصهيوني الأمريكي ..و تصر قطر على أن تكون هي الرائدة في هذا الميدان من خلال إعلامها الكاذب و أموالها و دعمها لكل مظاهر التسلح و قيادة الفتنة داخل الأرض السورية.
اليوم تخاف السعودية و الخليج على زلزلة عروشها لو استمر التحالف الإيراني و السوري و المقاومات على نفس المنهج..لذلك تصطنع أسماء لحروب تجيش فيها الشعوب إعلاميا تحت مسمى الصراع الديني ما بين سني و شيعي لتحرك المسلمين ضد بعضهم و هنا نتساءل بحرقة : متى كان ملوك السعودية و الخليج يهمهم دين الله إلا إن كان في حوزة سيطرتهم؟ . و طبعا لا ننسى أمريكا رأس الديكتاتورية الرأسمالية العالمية تلعب على كل الأوراق لبقاء سيطرتها فتدعم السنة تارة و تبيعهم صفقات السلاح بالمليارات كما فعلت مع صفقة السلاح و الطائرات التي باعتها هذه السنة للسعودية و الخليج للتجهيز ضد حرب مرتقبة على إيران ، و بنفس الوقت تتآمر مع إيران تحت الستار لتزيد نفوذها في المنطقة، و قد تكشف هذا جليا في العراق ، بالإضافة إلى عجزها عن إيقاف إيران لإنتاج السلاح النووي رغم استطاعتها ..و من مصلحة أمريكا أن تبقى الدول و الشعوب في حالة فوضى لأن ، في ذلك مصالح جمة لها.
وأمّا روسيا فهذه الدولة لا تحترم حقوق شعبها حتى تحترم حقوق الشعوب الأخرى.. فسياسة القمع و الاستبداد يعاني منها الشعب الروسي منذ زمن و لم تتغير نهج السياسة الروسية حتى اليوم. روسيا تدير مصالحها اليوم على مسرح سورية الدامي بعد أن فقدت مصالحها في صفقة ليبيا تحت مسمى الربيع العربي.. فهي لا يهمها لا شعب و لا حتى قيادة لكن سورية بالنسبة لها مسمارا يثبت وجودها و مصالحها أمام القوى العالمية المتصارعة لأخذ البادرة في من سيرسم و يدير ملامح الخارطة الجديدة للعالم ، و ليس الشرق الأوسط فحسب. غير سياسة الحلب الروسية المتبعة في سورية من تصدير السلاح و الطائرات بنسبة بلغت أوجها في هذه الأزمة ، غير حمايتها لقاعدتها البحرية الموجودة في مدينة طرطوس و التي تعتبر بعدا استراتيجيا في منطقة البحر المتوسط يحقق لها مصالح كبيرة ، و أهم من ذلك هي سعيها لتشكل تحديا يكسر شوكة و هيمنة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ..و كذلك بالنسبة للصين الذي تعتبر سورية مركزا استراتجيا ناجحا للاقتصاد الصيني ، بالإضافة إلى اتفاقها مع الهدف الروسي و هو كسر شوكة الولايات المتحدة الأمريكية اليوم في العالم ، و تفتيت سياسة القطب الواحد الذي كانت تحكم به الدولة الرأسمالية مثل أمريكا.
و أما إيران لا ننكر بأن اختيار هذا الحليف منذ سنوات كان موفقا بالنسبة للسياسة السورية بسبب تناغم المصالح مع بعضها ، و عدم تشرذمها و تشتتها كما حصل مع الحليف التركي ..لكن لا نستطيع أن ننكر بأن إيران الساعية لإعادة أمجاد الدولة الفارسية تسعى إلى تمكين وجودها في خارطة العالم عسكريا و نوويا و عقائديا أيضا لذا لا يمكن أن نفصل سورية عن أهدافها التوسعية ، فإيران و العراق و نصف لبنان أصبحوا شبه تابعين للدولة الإيرانية ، و كذلك تسعى مع سورية و الخليج العربي التي ترفض أن تسميه بالعربي بل هو فارسي بنظرها. لذلك لا استبعد أن يتم جر حرب واقعة على إيران إلى أرض سورية بسبب إغراق سورية اليوم بكل العطايا الإيرانية لحماية السلطة السورية .
و طبعا لا يمكننا أن ننسى الدور التركي الذي جعل من أرضه مكانا لولادة المجلس الانتقالي السوري بالتعاون مع الغرب و رعايته و توفير الأراضي لتدريب المسلحين بعد أن أغروه الغرب بأن يكون دورا فاعلا في إسقاط النظام السوري لتكون له حصة أيضا في ملامح الخارطة السياسية الجديدة . و كانت مواقف الدور التركي في خطوات دعمه للشعب السوري تتأرجح ، فتارة يهدد أردوغان القيادة السورية بلهجة غاضبة و تارة يقطع مصالحه ، و تارة أخرى يخمد صوته و يرفض التدخل الأجنبي.. و كل هذا يقع تحت إيقاع المصالح و تأثرها بعناصر القوة بين الطرفين.
و ما بقي من مكونات الجرح الشعبي السوري النازف هو مسرح لممارسة الرقص على جثث هذا الشعب .. فالبعض يتظاهر برغبته في تدويل الأزمة ، و الأخر يعارض و الأخر يبذل جهداـ و في النهاية يصفق الجميع لصالح النظام السوري ..و ما شهدناه البارحة في مجلس الأمن ما بين انفعال مندوبة الولايات المتحدة المفتعل ، و كذلك ردود فعل مندوبي الدول الأخرى ، و إصرار روسيا و الصين على عدم تدويل الأزمة من خلال التصويت للمرة الثانية ضد قرار الأمم المتحدة ، ثم تصدر المندوب السوري الساحة بكلمة تهدئة إلى الشعب بأن سورية دولة ذات سيادة و أنه لن يكون هناك تدخلا عسكريا ..كل هذه المشاهد على مسرح مجلس الأمن تؤكد بأن العالم كله يدعم بشكل مباشر و غير مباشر القيادة السورية..إذا يا شعبي ماذا تنتظرون ؟؟
هذه الدماء تروح سدى لأن وجهة سعيكم بالأصل يشوبها الكثير من الأخطاء..
لقد استطاع القاصي و الداني أن يعتلي سلمية ثورتكم التي كانت تتشرف بها ثورات العالم ، و أن يتكلم و يأخذ الدور عنكم : تارة بمجلس اسطنبول الانتقالي الذي لم نراه من طيلة فترة وجوده غير الصراخ المنكر لا يفيد لا شعب و لا قيادة ، و كذلك الجامعة العربية و دول الخليج و مجلس الأمن و الولايات المتحدة الأمريكية الذين يعولون جميعهم على الموقف الروسي و الصيني ، و كذلك التنسيقيات السورية التي تختبأ خلف شاشات الكمبيوتر و التلفاز لا نعرف كم تنسيقة أصبحوا و غير أسلوبهم الذي يسقطهم أمام الله و يسقط حقوقكم كونهم لا يقولون الحقيقة.. و الإعلام العربي و المحلي المسيس لمن يديره و الذي يفتعل الكذب أيضا ، و تارة بالجيش الحر الذي لا تعرفون حقا من هم أفراده و من يمولهم و ما هي الأجندة التي يملكها للتنفيذ .
و لعلي أذكركم جميعا بأن الكذب كان هو السيد المسيطر في أعمال أكثر هذه القوى سواء من النظام أو قنواته المحلية التي تعرض صورة جميلة عن واقع مأسوي، أو الإعلام العربي و الغربي الذي يفبرك و يعرض أكاذيب أو المواقف الظاهرية لدول تدعي وقوفها مع إرادة الشعب السوري و هي فقط تراقب خط مصالحها إلى أين يسير و مع أي قوى؟ ... فمثال صغير أضربه البارحة المجزرة التي حصلت في حمص 4/2/2012..صوروا لنا جثثا عارية عددها لا يتجاوز العشرة و كنت أتساءل هل يجوز للمسلمين أن يعرضوا عورات الميت بهذه الطريقة المهينة؟؟أين أخلاق الإسلام؟؟ ثم قالت الجزيرة في البداية عدد القتلى 260 ثم وجدتها في الفيس بوك 500 ثم في نفس المساء تكلموا مع المعارضة قالوا بلغت 100 ثم اليوم التالي قالوا أكثر من 300 ثم يعلن النظام براءته من هذا التفجير... هذا مثال بسيط تصدعت به رؤوسنا من كثرة الكذب من كل الأطراف..فمن نصدق و من نكذب و أين تكمن الحقيقة؟ّّ!!
لتعلموا بأن إيقاعات الربيع العربي ليست واحدة في الوطن العربي .. و هناك من خلف الإيقاع من يضبطها ، و دائما تحسم المعركة لصالح القوي ، ولعل أكثر الأقوياء انتصارا هم من تمسكوا بالعروة الوثقى ، و جعلوا الله حليفهم ، و لم يتخذوا من وسائل الشيطان ملاذا لتنفيذ مصالحهم. أولئك سينصرهم الله حتى لو كانوا عددهم قليلا.لكن في يوما هذا أين هم؟؟! . و حتى لو كنتم أصحاب قضية و حقوق ، و أتبعتم أساليب التضليل لإسقاط نظام ، برأيكم ضال ، فلن ينفعكم و سيحسم الأمر لصالح القوي في الساحة..
فاحقنوا دماءكم الغالية على قلوبنا ، و حافظوا على سلمية ثورتكم ، و لا تسمحوا للأصوات الخارجية النكراء بالتدخل في شؤونكم و ضعوا مصلحة الوطن أمامكم " و أدخلوا في السلم كافة " هذا كان كلام الله و ليس كلام العباد ، فإننا بغير هذا مقبلون على انفجار محلي دولي عالمي سيحرقنا جميعا ..
دعوا الظالم لله فهو تكفل بخزيه في الدنيا و حرقه في الآخرة ، و لنبدأ في خطوات البناء بحسب إمكانياتنا ، و خصوصا بعد أن جوّعنا العرب و الغرب بعقوباتهم و أعادوننا إلى مرحلة الثمانينات و لا أعرف من يعاقبون حقا؟!!! ..هل يعاقبون أصحاب السلطة التي تملك المال و السلطان و التي لم تتأثر بهذه العقوبات ؟ أم هذا الشعب الذي ذبح من فقدان الأمن و موارده و حظره من العمل و التعليم من الدول العربية قبل الغربية؟؟
الوطن اليوم يحتاجنا أكثر من أي وقت فات ..يحتاج إلى صدقنا ، و إلى عزيمتنا و إرادتنا من أن ننفض عنا غبار عمليات الهدم التي سعينا لها سواء إراديا أو غير إرادي تحت غطاء شعار الربيع العربي ، يحتاج إلى سواعدنا الخضراء لزراعة الأرض و صناعة المنتج المحلي ..يحتاج إلى توحيد صفوفنا و معالجة جرحنا الداخلي بأدواتنا المحلية ، يحتاج إلى تنظيف نفوسنا مما علق فيها من غبار الفساد القديم ، فما زالت شعوبنا تتعامل مع مظاهر الفساد على انه واقع رغم كل هذه الدماء التي قدمت . فلنبدأ بمعالجة الفساد من نفوسنا ثم نتصدى لحالات الفساد في الوطن.
احقنوا دمائكم أيها الشعب السوري العظيم فإن هدرها يسعد الكثير من الأطراف المتآمرة عليكم محليا و عربيا و دوليا و لن يوصلكم إلى حل يرضيكم ..
رنا خطيب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق