مقال فكري:
عقول في معاقل الضياع و الفوضى
العقل هو مفتاح الرؤية الصحيحة للموجودات. نستطيع ببصيرته أن نحيا سعداء و بحكمته أن ندير عجلة الحياة ، وبمنطقه أن نزيل غبار الخلافات و العثرات .إنه كنز لا يقدر بثمن و عنوان يرتقي به صاحبه إلى قمة المجد.
هذا يعني أن صاحب العقل سعيد بما حباه الله من نعمة ، و آمن لما أدرك من كنه الموجودات فأعطاها قيمتها الحقيقة فلا خُدع ببريق الأشياء فسقط و لا أضاع عليه فرصة الارتقاء من خلال امتلاك جوهر المعاني ، و عاش ملكا يحكم مملكة عيشه بقوانينه الخاصة .
لكن المسالة في وقتنا الحالي تبدو مختلفة تماما..فصاحب العقل ،إن وجد ، متعب ومنهك و حزين لما يحيط حوله من ظلمة المفردات .كل شيء حوله يشير إلى فقدان التوازن واضطراب الأحوال و هروب المعاني من الأفعال و كثرة إشارات الاستفهام. ضاعت ملامح البراءة و العفوية و التلقائية و البساطة من أفعال الناس و حل محلها ملامح التصنّع و التعقيد و الخبث ..و ضاقت النفوس بثوابتها ففتحت الأبواب للتعامل مع مفردات لغة العصر المتناقضة فغرقت في متاهات الفوضى العابثة ..
لا ينكر العقل منطق التعامل مع لغة العصر التي تفرض ذاتها تلقائيا ،و بقوة على الأجيال التي تعاصر هذه اللغة.. لكن هل هذا يفرض علينا أن نرهق أنفسنا بإتباع مفاهيم لغة لم تطلق و لم تصمم لنا؟!! ..هناك مساحة واسعة ومختلفة تجعل التطابق صعبا في هذا المجال فكيف ستتلاقى ذبذبات العقل المتوازنة في بيئتها مع ذبذبات لغة العصر المتوترة ؟!!!
للأسف كثيرة هي الأضداد التي تقع ضحية في حلبة الصراع
صراع بين الجميل و القبيح..بين المعنى و الشكل ...بين الأخلاق و مفاسدها... بين الفضيلة و الرذيلة..بين الثبات و الانزلاق.. بين بصيرة الرؤية و عماها ... و بين الخير و الشر. و هنا لن نختلف كون الاختلاف من سنن الكون الإلهية ..فهي في كل الأحوال فتنة للتميز بين العاقل الناجح و بين الضال الخاسر في النهاية
لكن مؤشرات الخسارة في رصيد الإنسانية في وقتنا الحالي ترتفع يرافقها هبوط في مؤشرات النجاح بسبب تعطيل و شلل في الملكات العقلية لدى الكثير من الناس..
وجد الكثير من الناس مصلحتهم في اختيار الطريق الأيسر..طريقا يفتح المتاهات على مصرعيه .. يمشون فيه عميا لكنهم راضون بذلك.. فتوسعت مساحات العطب عندهم لتشمل حاسة الإدراك و النطق و السمع أيضا..
إذا.. كتب الإنسان على نفسه الشقاء عندما قرر أن يلغي وساطة العقل في التعامل ..إنه إنسان بائس يصنع مجده من خيوط واهنة اقتبسها من مفردات هذا العصر التي تتسم بالضياع و الفوضى و العبثية ..فتخلى عن مركز قوته الأول و لحق بركب التقليد و الاتباع .. و بدأ يستورد أدوات بناء مركزه الجديد غير مراع لحجم هذه الأدوات و مدى ملاءمتها امع قاعدة بنائه فبدا البناء منحرفا و مائلا عن قاعدته فتعرض للسقوط في النهاية..
ما أفظع كلمة السقوط لمن يدرك معناها و يسعى جاهدا أن ينفي صفة السقوط عن أعماله .. إنه العاقل وحده الذي يدرك أبعد من خط الرؤية المحدّد فيحاول بذلك أن يحصن بناءه بما يملك من أدوات محلية أصيلة عاش و كبر معها حتى أصبحت جزءا لا يتجزأ من هويته الإنسانية .. و لا تتوقف حكمته عند هذا ـ بل يدفعه الفضول المعرفي إلى الإطلاع و البحث و الأخذ من الآخر بما يلائم بناءه ليكون مكملا للنقص الذي يأتي كحاجة لمحاكاة مفردات العصر الحديث..فيكون بناء قويا يجمع بين الأصالة و الحداثة . فبذلك يكون قد خلق التوازن بين الاثنين و حافظ على هويته و ثوابته و وجوده على خارطة العالم ، و بنفس الوقت كان قريبا من لغة العصر الحديثة .
لكن و حسب المشاهدة الواقعية للعقل العربي نلاحظ أن هذا المنطق غائب في التوجه و الفعل يعاني من عجز و شلل في الحركة و الإرادة ضعيفة و النفوس تنهشها مشاعر اليأس و الإحباط و القيود المطوقة بها ..إنه أشبه بسجين ينتظر موعد تحريره لكن لا يعرف متى فتراه مشغولا ضمن هذه الدائرة الضيقة.. فتتقلص مساحات الطموح عنده و تصاب رؤيته للمستقبل بالضبابية و فقدان ملامح القادم فينطوي على ذاته و تنحسر مساحات التفكير عنده . إنه يحلم بدفء اللحظة المعاشية و أمانها فقط لا يريد أن يخرج عن هذه الحدود .
لقد حدد حدود عقله و رسم اتجاهه ضمن هذه الدائرة فأخذ يتلقى الضربات من خارج حدوده الضيقة فاختُرقت حتى تلك الحدود و احتُلت المساحات المتبقية من هذا العقل فكانت النتيجة فقدان الشعور بما حوله و التميز بين الصالح و الطالح و ضياع إنسانيته و تلاشي بصماته من عقود المشاركة في البناء الحضاري .
مع التحيات
رنا خطيب
19/1/2010
العقل هو مفتاح الرؤية الصحيحة للموجودات. نستطيع ببصيرته أن نحيا سعداء و بحكمته أن ندير عجلة الحياة ، وبمنطقه أن نزيل غبار الخلافات و العثرات .إنه كنز لا يقدر بثمن و عنوان يرتقي به صاحبه إلى قمة المجد.
هذا يعني أن صاحب العقل سعيد بما حباه الله من نعمة ، و آمن لما أدرك من كنه الموجودات فأعطاها قيمتها الحقيقة فلا خُدع ببريق الأشياء فسقط و لا أضاع عليه فرصة الارتقاء من خلال امتلاك جوهر المعاني ، و عاش ملكا يحكم مملكة عيشه بقوانينه الخاصة .
لكن المسالة في وقتنا الحالي تبدو مختلفة تماما..فصاحب العقل ،إن وجد ، متعب ومنهك و حزين لما يحيط حوله من ظلمة المفردات .كل شيء حوله يشير إلى فقدان التوازن واضطراب الأحوال و هروب المعاني من الأفعال و كثرة إشارات الاستفهام. ضاعت ملامح البراءة و العفوية و التلقائية و البساطة من أفعال الناس و حل محلها ملامح التصنّع و التعقيد و الخبث ..و ضاقت النفوس بثوابتها ففتحت الأبواب للتعامل مع مفردات لغة العصر المتناقضة فغرقت في متاهات الفوضى العابثة ..
لا ينكر العقل منطق التعامل مع لغة العصر التي تفرض ذاتها تلقائيا ،و بقوة على الأجيال التي تعاصر هذه اللغة.. لكن هل هذا يفرض علينا أن نرهق أنفسنا بإتباع مفاهيم لغة لم تطلق و لم تصمم لنا؟!! ..هناك مساحة واسعة ومختلفة تجعل التطابق صعبا في هذا المجال فكيف ستتلاقى ذبذبات العقل المتوازنة في بيئتها مع ذبذبات لغة العصر المتوترة ؟!!!
للأسف كثيرة هي الأضداد التي تقع ضحية في حلبة الصراع
صراع بين الجميل و القبيح..بين المعنى و الشكل ...بين الأخلاق و مفاسدها... بين الفضيلة و الرذيلة..بين الثبات و الانزلاق.. بين بصيرة الرؤية و عماها ... و بين الخير و الشر. و هنا لن نختلف كون الاختلاف من سنن الكون الإلهية ..فهي في كل الأحوال فتنة للتميز بين العاقل الناجح و بين الضال الخاسر في النهاية
لكن مؤشرات الخسارة في رصيد الإنسانية في وقتنا الحالي ترتفع يرافقها هبوط في مؤشرات النجاح بسبب تعطيل و شلل في الملكات العقلية لدى الكثير من الناس..
وجد الكثير من الناس مصلحتهم في اختيار الطريق الأيسر..طريقا يفتح المتاهات على مصرعيه .. يمشون فيه عميا لكنهم راضون بذلك.. فتوسعت مساحات العطب عندهم لتشمل حاسة الإدراك و النطق و السمع أيضا..
إذا.. كتب الإنسان على نفسه الشقاء عندما قرر أن يلغي وساطة العقل في التعامل ..إنه إنسان بائس يصنع مجده من خيوط واهنة اقتبسها من مفردات هذا العصر التي تتسم بالضياع و الفوضى و العبثية ..فتخلى عن مركز قوته الأول و لحق بركب التقليد و الاتباع .. و بدأ يستورد أدوات بناء مركزه الجديد غير مراع لحجم هذه الأدوات و مدى ملاءمتها امع قاعدة بنائه فبدا البناء منحرفا و مائلا عن قاعدته فتعرض للسقوط في النهاية..
ما أفظع كلمة السقوط لمن يدرك معناها و يسعى جاهدا أن ينفي صفة السقوط عن أعماله .. إنه العاقل وحده الذي يدرك أبعد من خط الرؤية المحدّد فيحاول بذلك أن يحصن بناءه بما يملك من أدوات محلية أصيلة عاش و كبر معها حتى أصبحت جزءا لا يتجزأ من هويته الإنسانية .. و لا تتوقف حكمته عند هذا ـ بل يدفعه الفضول المعرفي إلى الإطلاع و البحث و الأخذ من الآخر بما يلائم بناءه ليكون مكملا للنقص الذي يأتي كحاجة لمحاكاة مفردات العصر الحديث..فيكون بناء قويا يجمع بين الأصالة و الحداثة . فبذلك يكون قد خلق التوازن بين الاثنين و حافظ على هويته و ثوابته و وجوده على خارطة العالم ، و بنفس الوقت كان قريبا من لغة العصر الحديثة .
لكن و حسب المشاهدة الواقعية للعقل العربي نلاحظ أن هذا المنطق غائب في التوجه و الفعل يعاني من عجز و شلل في الحركة و الإرادة ضعيفة و النفوس تنهشها مشاعر اليأس و الإحباط و القيود المطوقة بها ..إنه أشبه بسجين ينتظر موعد تحريره لكن لا يعرف متى فتراه مشغولا ضمن هذه الدائرة الضيقة.. فتتقلص مساحات الطموح عنده و تصاب رؤيته للمستقبل بالضبابية و فقدان ملامح القادم فينطوي على ذاته و تنحسر مساحات التفكير عنده . إنه يحلم بدفء اللحظة المعاشية و أمانها فقط لا يريد أن يخرج عن هذه الحدود .
لقد حدد حدود عقله و رسم اتجاهه ضمن هذه الدائرة فأخذ يتلقى الضربات من خارج حدوده الضيقة فاختُرقت حتى تلك الحدود و احتُلت المساحات المتبقية من هذا العقل فكانت النتيجة فقدان الشعور بما حوله و التميز بين الصالح و الطالح و ضياع إنسانيته و تلاشي بصماته من عقود المشاركة في البناء الحضاري .
مع التحيات
رنا خطيب
19/1/2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق